Social Icons

twitterfacebookgoogle pluslinkedinrss feedemail

lundi 18 juin 2012

روسيا و الأزمة السورية ... مسألة حياة أو موت



لازالت في مخيلتي الى يومنا هذا تلك الصورة الشهيرة و التي حققت أعلى نسب المشاهدة على كل القنوات و الصحف العالمية في تسعينات القرن الماضي...كيف لي أن أنسى تلك اللقطة للرئيس الأمريكي كلينتون و هو يتلوى من الضحك حتى الدموع و يتهكم من تعليقات و كلام الرئيس الروسي السابق "بوريس يلتسن" و هو يهذي و يترنح ثملا أمام كل عدسات العالم و في حالة ميؤوس منها    لرجل مدمن يقود إمبراطورية  !

مشهد اختصر و في لحظات قصيرة حالة الانحطاط و الذل  الذي بلغته إمبراطورية كانت تحكم نصف العالم , دولة كبرى أصبحت في الحضيض فقدت هيبتها و أصبحت  تقدم التنازلات تلو الأخرى وصلت حد خيانة الوطن , ضربات داخلية و خارجية فجرت و جزأت ما تبقى من الاتحاد السوفياتي السابق , جمهوريات عديدة أعلنت استقلالها و معسكر شرقي اشتراكي ارتمى في أحضان الغرب و أعلن عداءه لموسكو و فتح أراضيه قواعدا عسكرية أطلسية ...استعدادا لتوجيه الضربة القاضية لبلاد القياصرة ...

هكذا كانت روسيا "بوريس يلتسن" , رئيس كان همه الوحيد زجاجة الفودكا و ثروة عائلته و ابنته التي أصبحت الآمر الناهي في روسيا , يلتسن كان النقطة الأكثر سوادا في تاريخ روسيا , و لكن ما سيشفع له و سيحسبه له التاريخ و الأجيال القادمة في بلاده , اكتشافه لكفاءة و عبقرية روسية فريدة و حمايته له , الداهية فلاديمير بوتين !

31 ديسمبر 1999 , في الوقت الذي كان فيه العالم كله يحتفل و يستقبل الألفية الجديدة , فاجأ الرئيس يلتسن  الروس و العالم بأسره بظهوره على التلفزة ليعلن عن تنازله عن السلطة للرجل الذي يراه أهلا لقيادة روسيا الجديدة , فلاديمير بوتين ...و حسنا فعل !

بوتين , الضابط السابق في الكاجي بي , الطيار و بطل الجيدو و الفنون القتالية و الشطرنج , كان بمثابة هدية من السماء , استطاع تغيير روسيا و تمكن من إيقاظ ذلك العملاق ...الثمل !

لن نطيل الحديث كثيرا عن انجازات هذا الرجل الداهية و الحازم و الذي لا يختلف كثيرا عن قياصرة روسيا في تسييره ووطنيته المتطرفة و قبضته الحديدية و تحوله الى مارد خطير  إذا تعلق الأمر بأمن و مصالح و وحدة بلده .

المتابع لنفسية و سياسة بوتين سيتأكد من شيء...روسيا لن تتراجع عن موقفها من الأزمة السورية قيد أنملة , و لن تتنازل عن دعمها لسوريا حتى و إن كلفها ذلك حربا عالمية ثالثة , فليست تلك التصريحات و بالونات الاختبار التي تطلقها قنوات الدعاية الإعلامية الخليجية عن تغيير مرتقب لموقف روسيا و ليست "تهديدات" مشيخة حمد هي التي ستؤثر على قرارات قيصر روسيا الجديد , بوتين يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف و هو الضابط السابق في الاستخبارات الروسية الذي يفهم جيدا حجم المؤامرة التي يديرها الغرب و أمريكا العدو التاريخي لروسيا و بتمويل و دعاية من زبانيتها التاريخيين أعراب الخليج  و شيوخهم الوهابيين ...

بالنسبة لروسيا, موقفها من الأزمة السورية و دعمها للجمهورية السورية ليس فقط مبنيا على حسابات نفوذ و مصالح اقتصادية و سياسية و عسكرية عادية مع حليف تاريخي...هي مسألة حياة أو موت! , سقوط سوريا في يد أعراب الخليج و الامبريالية العالمية , سيكون بمثابة أخر مسمار سيدق في نعش الإمبراطورية الروسية الناهضة , و لكن لماذا ؟؟  
  
لنعد قليلا إلى الوراء ...و نتذكر سنوات كذبة "الجهاد المقدس" التي تم التلاعب بها على عقول الملايين من المسلمين و تصوير أن ما يحدث في أفغانستان هو جهاد في سبيل الله !  ...تم تجنيد الآلاف من شباب المسلمين و بدعم مالي و إعلامي خرافي من إمارات الخليج كالعادة و بفتاوى شيوخ الفكر الوهابي و برعاية "شيوخ " المخابرات الأمريكية و الهدف الحقيقي كان كالعادة ...ضرب روسيا و إضعافها فقط ! ...لا جهاد و هم يحزنون .

نجحوا في مبتغاهم و صدقتهم الشعوب كما صدقت قصص "الكرامات" عن دبابات روسية تم تفجيرها بحفنة من تراب و عن ملائكة تنزل لتحارب إلى جانب المجاهدين "و المخابرات الأمريكية طبعا " ... استطاعوا إعطاء ضربة موجعة للجيش السوفيتي ببركة "ملائكة" المخابرات الأمريكية و كانت هزيمة أفغانستان بداية النهاية للاتحاد السوفيتي , لم يكن في الحقيقة جهادا و لكن آخر فصل من فصول الحرب الباردة .

و تتوالى بعدها الضربات على روسيا و بؤر "الجهاد الوهابي" التي لا تظهر إلا في مناطق لها علاقة بروسيا , في الشيشان و داغستان و انغوشيا, في البوسنة و كوسوفو و غيرها ...

انحصار النفوذ الروسي تواصل طوال فترة التسعينات و حتى بداية الألفية الجديدة , فبعد أفغانستان , فقد الروس مجموعة كبيرة من جمهورياتهم السوفيتية , ثم و بنفس الطريقة  "الجهادية" الوهابية الامبريالية المتصهينة , تم تفجير يوغسلافيا الاتحادية  الحليف الاستراتيجي لروسيا التي كانت مثالا في التعايش بين الأديان بدعم مجموعات إرهابية في حرب البوسنة (التي أصبحت اليوم من أكبر حلفاء إسرائيل بفضل "الجهاد المقدس) , ثم تركيع الجزائر أكبر حليف لروسيا في إفريقيا , ثم كوسوفو ...و كلها تحت لواء الجهاد ! و نجحوا مرة أخرى و انهزمت روسيا .

و من الصدف العجيبة أن كل بؤر "الجهاد" لا تظهر إلا في المناطق الصديقة و الحليفة لروسيا و لم تمس و لو بشعرة حلفاء أمريكا ...؟؟ و لكن , إلى متى ؟

 و تجد روسيا نفسها محاصرة من كل الجهات و تشعر بأن الضربة القاضية باتت قريبة جدا , خاصة بعد ظهور مشروع الدرع الصاروخية الأمريكية في تركيا و بتسهيلات من  أردوغان دركي أمريكا في المنطقة .

نظرية الدومينو تسير و بدقة و لم تبقى إلا قطعة واحدة لينهار البيت الروسي...سقوط الجمهورية السورية !

و... ليظهر "الجهاد المقدس" مرة أخرى في سوريا , نفس السيناريو الذي حصل في أفغانستان مع اختلاف واحد , "الكرامات" الوهابية هذه المرة أصبحت عبارة عن جياد بيضاء تنقذ المتظاهرين من "هولاكو" العصر بشار , عوضا عن الملائكة الخضراء الأفغانية ! أما الباقي فلا تغيير , فتاوى تصنعها أجهزة السي آي آي و شيوخها الأطلسيين , مرتزقة دمويون من كل بلاد الإسلام و دعم إعلامي و مالي بملايير البترول الخليجي بالإضافة إلى العبقرية المخابراتية الأمريكية خلف الكواليس .

الروس حفظوا الدرس جيدا و رئيسهم اسمه الآن بوتين و ليس يلتسن , و هم يعرفون أن سقوط سوريا في يد الوهابيين حلفاء الامبريالية و خدم أمريكا , ستكون نتائجه كارثية على الأمن القومي الروسي و وحدة أراضيه , فكما قلنا أنها أصبحت الآن مسألة حياة أو موت لروسيا , مصير البلدين أصبح مشتركا و لا بد من العمل سويا لصد آخر هجمة التي ليس لها إلا هدفين اثنين , حماية أمن إسرائيل و إسقاط الدب الروسي .

ليس في كل مرة تسلم الجرة ...لم يسبق للروس طوال تاريخهم أن استعملوا حق الفيتو لثلاث مرات متتالية و في فترة زمنية قصيرة مثلما فعلوه مع سوريا بالإضافة إلى إجهاض عشرات مشاريع القوانين في مجلس الأمن ضد سوريا  , البوارج الحربية الروسية أصبحت دائمة التواجد على السواحل السورية و بوتين يدعو في أحد خطاباته الجيش ليكون على استعداد لكل الاحتمالات , دون أن ننسى ذكر التهديدات المتكررة التي يطلقها جينيرالات روسيا للغرب من مغبة ارتكاب أي حماقة في بلاد الشام .
ما نسمعه من حين الى آخر عن تغير وشيك للموقف الروسي ليس إلا ذرا للرماد و عبارة عن حرب نفسية موجهة أكثر للاستهلاك الإعلامي و مهدئات لحالة الهلع و التخبط التي بدأت تظهر في صفوف "الجيش الحر" و جماعات القاعدة  و معارضة اسطنبول التي لم تعد تدري ماذا تفعل ...

روسيا أخلطت الأوراق كلها و هي من توزعها الآن و هي من يقرر قواعد اللعبة .

روسيا لن تتراجع و لن تتنازل , بل على العكس هي الآن انتقلت إلى مرحلة الهجوم المضاد دبلوماسيا , أول أهدافه القضاء على ما يسمى "مجموعة أصدقاء سوريا" و اقتراح البديل بإنشاء مجموعة الاتصال التي لاقت موافقة كل الدول الكبرى و تم تحديد أول موعد لها نهاية شهر جوان 2012 , روسيا استطاعت بهذه المبادرة أن تفرض تواجد حليفتها إيران كطرف مهم , و استطاعت تقزيم دور قطر و السعودية و تركيا و جعله هامشيا من الآن فصاعدا .

كل المؤشرات تدل على رضوخ القوى الغربية للشروط الروسية , قوى صار همها الوحيد إيجاد مخرج يحفظ ماء وجهها من المأزق السوري , حتى و إن اضطرت إلى إعادة حساباتها و تحالفاتها في المنطقة و التضحية بحلفائها من مشيخات الخليج الفارسي .

كخلاصة , يمكننا أن نختصر النظرة الروسية للأزمة في قاعدتين  ستبني عليهما إستراتيجيتها في المنطقة و في العالم ككل 


أولا -  كل ما كان يسمى "جهادا" هدفه الأوحد و الحقيقي  ضرب روسيا و الدول الصاعدة من العالم الثالث حتى لا تتحول إلى حليف لروسيا و الصين , كما حدث مع دول مجموعة البريكس كالبرازيل و جنوب إفريقيا و التي أصبحت الآن دولا تقدمية في طليعة القوى المناهضة للاستعمار و الهيمنة , لم ينتبهوا للبرازيل و جنوب إفريقيا و هي تصعد  و إلا لخلقوا لها "جهادا" ليحطموها...كيف نفسر ظهور جماعات وهابية تعيث فسادا في بلد مثل نيجيريا ؟؟ السبب بسيط , نيجيريا قوة ديمغرافية و اقتصادية و بترولية صاعدة , يجب ضربها قبل أن تتحول إلى برازيل أو جنوب إفريقيا أخرى و تتحالف مع روسيا و الصين .

ثانيا –  أي تنازل في أي صراع جديد و خاصة في سوريا و في إيران و في كل مناطق التماس مع حلفاء أمريكا  سيكون بمثابة الانتحار للأمة الروسية .

لن تنفع الضغوطات الغربية و لا ملايير أعراب الخليج في تغيير موقف بوتين كما ينتظر البعض , لأن ذلك سيكون في رأي الشعب الروسي بمثابة الخيانة الكبرى للوطن .

و نقول لكل من لازال يحلم بتغيير الموقف الروسي في الأزمة السورية...صح النوم !   

  
    بقلم :  نايت الصغير عبد الرزاق

   (كل الحقوق محفوظة)






1 commentaires:

  1. حديث مطابق تماما لما يحدث في الميدان السياسي.... لكن ما يشغل بالي دائما ...كيف كانت طبيعة السياسة المنتهجة في ازمة ليبيا ...كيف كانت علاقة نظام القدافي مع الغريمين (روسيا - و م ا) ...كل ما رايته تجاوب تام في الموقف .

    RépondreSupprimer

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.

 

من نحن ...Qui sommes-nous?

هذا فضاء للتفكير الحر , بعيدا عن كل تعصب ايديولوجي , حزبي أو مذهبي. لسنا الا مجرد ملاحظين محايدين لحركية المجتمعات الجزائرية , المغاربية , و العربية...لا نتبع أي أحد

Un espace dédié à la libre pensée , loin de toute idéologie ou d’idées partisanes , nous ne sommes que des observateurs neutres de tous les mouvements de la société Algérienne , Maghrébine et arabe .

جميع الحقوق محفوظة