Social Icons

twitterfacebookgoogle pluslinkedinrss feedemail

mercredi 19 juin 2013

اعترافات عتروس*

نايت الصغير عبد الرزاق

لن أستفيض كثيرا في سرد أهم مراحل حياتي التي كانت في أغلبها مقرفة و لا حدث  قبل أن أتحوّل الى "شيخ" , مراحل طويلة كنت فيها "عتروسا" و بالضبط منذ أن اختار لي أحد اصدقاء طفولتي لقب "العتروس" (و له اسبابه المنطقية في ذلك !) , لقب بقي ملازما لي الى غاية اليوم الذي حدثت فيه المعجزة و الانقلاب الذي غير حياتي , كان يوما خير من مليون يوم , تنزلت فيه كل خيرات الأرض عليّ بعده , كان ذلك اليوم المشهود و الذي لن أنساه طوال ما حييت , عندما سمعت زميل لي "عتروس" مثلي و في وسط جمع من "العتاريس" و هو يناديني : " يا شيخنا الفاضل , ما رأيك في ..." , لا أتذكر شيئا عن سؤاله , ولكن ما كان يهمني , ذلك اللقب الجديد الذي سأحمله من الآن فصاعدا و منافعه التي لا تُعد و لا تُحصى , عرفت حينها أن حياتي ستتغير جذريا و أن "تعبي" لم يذهب هباء , فقد انتهى زمن "التعترس" الى غير رجعة و جاء زمن "المشيخة" ...

لم تمر الا بضعة ايام بعدها حتى انتشر لقبي الجديد انتشار النار في الهشيم , لا أكذب عليكم ان قلت لكم أنني كنت أستمتع كثيرا و أنا أرى "عتارس" سُّذّج و "زملاء" سابقين و هم يصدقون و ينادونني " يا شيخ" , لن أحدثكم كثيرا عن "المنافع" العظيمة التي بدأت تتهاطل عليّ منذ ذلك الوقت , منافع مادية و اجتماعية و نكاحية و "بما يرضي الله"...

كنت دائما أتساءل لماذا كانوا يسمونني سابقا بالعتروس و لما كل هذا التجني بحق فصيلة التيوس , فهو حيوان وديع و يستحيل عليه أن يتحول الى "شيخ" بين عشية و ضحاها و أنا متأكد أنه لو نطق لأعلن اعتراضه على التسمية , فهو على الأقل يعرف قدره و يعرف أن فصيلة التيوس الحقيقية لا يمكنها أن تكون بنفاق أو بسذاجة "عتاريس" البشر , و أنا الذي عشت طويلا كعتروس بشري , أتقدم من على هذا المنبر باعتذاراتي لفصيلة الماعز و التيوس لتشبيهنا لعتاريسنا بها !

يتساءل البعض , كيف استطعت أن "أتطور" من فصيلة "عتروس" بشري الى درجة "شيخ" ضربة واحدة !؟  ...سأكون صريحا , أنا شخصيا لا زلت محتارا , كنت "عتروسا" و لكنني لست بسذاجة "العتاريس" الذين يستمعون الي و يستفتونني الآن في أمور دينهم و دنياهم و يلقبونني بالشيخ , حتى و ان كنت أقوم بتكفير نظرية التطور الداروينية في كل "الدروس" و "المحاضرات" التي صرت ألقيها دوريا على عتاريسي الوديعين , الا أنني و في أعماقي صرت أرى فيها الكثير من الصحة كلما نظرت الى نفسي في المرآة !...و أيضا و أنا أرى قطعان العتاريس التي تستمع الى "العلوم" التي ألقيها عليها و أفواهها مفتوحة من الدهشة !

عليكم أيضاأن تعرفوا أن عملية "التطور" من "عتروس" الى "شيخ" تخضع لقوانين الانتخاب الطبيعي و التأقلم مع المحيط , فليس كل عتروس يتطور الى "شيخ" , فأغلب "العتاريس" يبقون على حالهم الى أن يتوفاهم الله وهم "عتاريس" فرحون , و لكن الأخطر هو ذلك النوع من "الشيوخ" الذين اضطروا أن يعودوا الى حياتهم السابقة في عالم "التعترس" و خسروا كل المنافع , بسبب اخطاء في عدم الخضوع لقانون "ما يطلبه المستمعون" في الدروس و الفتاوي , و لم يستطيعوا أن يصلوا الى أعلى درجات العبوس و التكفير لكل ما هو على وجه الأرض من كائنات , حتى "العتاريس" منها ان استلزم الأمر , فكما يقول المثل " الخبزة مرة " و خاصة لمن ذاق حلاوة المشيخة و عرف ما يعنيه أن تكون عتروسا سابقا .

لن ابوح لكم بكل أسرار التحول و التطور , و لكن سأكتفي فقط بذكر الخطوط العريضة , أهم قاعدة هي أنه يستحيل أن نقبل بتحول كل "عتروس" الى "شيخ" , فطائفة "العتاريس" هي سبب وجودنا و ثرائنا و شهرتنا و فلولاهم لأصبحنا لاشيء و لعدنا لقرف "التعترس" , تصوروا معي للحظة مجتمعاتنا بدون طائفة "العتاريس" ؟ كيف "سنشتغل" نحن ؟ و جميعكم يعرف أن افضلنا لن يجد لنفسه مكانه و لو في مهنة زبال أو بواب بدون جمهور "العتاريس" التي تصفق لنا و تحمينا ...

لا اعرف لماذا كانوا يسمونني "العتروس" , هل بسبب "الرائحة" أم بسبب الغباء المستفحل الذي كنت أعانيه , كنت دائما آخر الصف و لم أتمكن من تجاوز المرحلة الابتدائية الا بفضل رحمة الله , ثم تخرجت بعدها بقليل بشهادة " يُوجه نحو الحياة المهنية" و التي كانت نعمة بالنسبة لي , الفراغ جعلني أتعرف على الكثير من "العتاريس" مثلي , كنا نقضي أوقاتنا في "حلقات" الأكل و دروس "العترسة" و التكفير و القيلولة !

ثم تعرفت على "شيخ" سبق له أن مر بمرحلة "العترسة" , تكرم عليّ و علمني بعضا من "علوم" غسيل الموتى و تكفينهم , فاصبحت دائم الحضور في الجنازات و "خدماتي" صارت مطلوبة جدا , ثم قررت أن ألبس "الزي الرسمي" فوضعت طرة و شماغا على راسي و تعلمت بعض الكلمات من كتب الاولين أرددها دائما على الحضور , و شيئا فشيئا صرت اعلّم الناس أمور موتهم و أحذرهم من "البدع" ليضمنوا دخول موتاهم للجنة , و تحولت بعدها الى "منظم" لمواكب الجنازات أمنعهم من التكبير و أعلمهم متى يهرولون و متى يخفضون "الريتم" ...الى أن جاء ذلك اليوم المشهود الذي حدثتكم عنه , و أنا منهمك في تنظيم "الهرولة" و منع التكبير و الدعاء في الجنازة , سمعت مُناد يناديني و يقول ..." يا شيخنا أريد أن اسألك في امر ..." , فكانت تلك الكلمة التي غيرت حياتي !

منذ ذلك اليوم , صعدت في السُّلّم و تحولت الى "شيخ" و ودعت طائفة "العتاريس" الى غير رجعة و اصبحت شيخا لهم أعلمهم أمور دينهم و دنياهم , و لم أعد "أُنظّم" الجنازات , فهي غير "مفيدة" , هناك ما هو أكثر فائدة دينا ...و دنيا !

أنا الذي لا زلت لا اعرف حتى جدول الضرب , صرت اليوم متحكما في جداول الجمع لكل متاع الدنيا "و بما يرضي الله" , و كلما مررت على أصدقاء الطفولة من الذين أطلقوا عليّ لقب "العتروس" , أتوقف أمامهم بسيارتي الالمانية الفخمة و من تحت عود سواكي أهديهم ضحكة صفراء و اقول ..." رفقا بالعتاريس , فنحن بحاجة اليهم !"       


*العتروس هو التيس باللهجة الجزائرية







... يُتبع




 ( كل الحقوق محفوظة)




0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.

 

من نحن ...Qui sommes-nous?

هذا فضاء للتفكير الحر , بعيدا عن كل تعصب ايديولوجي , حزبي أو مذهبي. لسنا الا مجرد ملاحظين محايدين لحركية المجتمعات الجزائرية , المغاربية , و العربية...لا نتبع أي أحد

Un espace dédié à la libre pensée , loin de toute idéologie ou d’idées partisanes , nous ne sommes que des observateurs neutres de tous les mouvements de la société Algérienne , Maghrébine et arabe .

جميع الحقوق محفوظة