بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق
التهاني
تتهاطل... !
برقيات التهاني
مازالت تتلاحق على رئيس مصر الجديد , فبعد أوباما الذي اتصل شخصيا لتهنئته ووزير
الخارجية البريطاني الذي عبر عن سعادته العارمة ...و على حسابه الشخصي على التويتر
, جاء الدور على المشيخات الخليجية و على رأسها قطر التي لم تتوقف الى الآن في
اعلان دعمها المعنوي (بعد المالي و الاعلامي طبعا !) لمرشحها و مدللها , تعبها لم يذهب سدى و الحمد
لله.
أيام عصيبة
عاشها المصريون و ضغوطات كبيرة مورست على المجلس العسكري منذ انتهاء العملية
الانتخابية , بدأها مرشح الاخوان بتلك الخرجة الغريبة والفريدة من نوعها في تاريخ
الانتخابات في العالم بأسره , عندما أعلن نفسه رئيسا لمصر و عمليات الفرز لم تنتهي
بعد...و على الساعة الرابعة صباحا و المصريون نيام !؟
رئيس الفجر
... وبوضع اليد !
تساءل الكثير
عن المغزى من مثل هذا الاعلان و هذه الندوة الصحفية الغريبة و المصريون لم يفرقوا
بعد بين الخيط الأبيض و الخيط الأسود ! , ألم يكن باستطاعته انتظار طلوع
الشمس ليعلن "الخلافة" على مصر مثلا ؟
الحقيقة التي
غفل عنها الجميع , تكمن و ببساطة في الفرق في التوقيت بين القاهرة ...و واشنطن و
نيويورك ! , في تلك الساعة و حتى و ان كان المصريون
نائمين فهي ساعة الذروة في بلاد العم السام و مراكز القرار فيه ... الندوة كانت موجهة
للأمريكان , الساعة الرابعة صباحا بتوقيت القاهرة هي حوالي التاسعة مساءا في أمريكا ...باختصار !
حادثة
غريبة أخرى , لم ينتبه لها الكثيرون , وكالة رويترز و قناة CNN أعلنتا فوز المرشح الاخواني قبل الندوة الصحفية
المشهورة بحوالي ساعة...يعني حوالي الثالثة صباحا بتوقيت القاهرة ؟؟...فكل شيء كان
يسير وفق توقيت واشنطن ! كل هذا و
عمليات فرز الصناديق لم تنتهي من حساب اكثر من نصف الأصوات المعبر عنها.
زيارة مدير المخابرات العسكرية القطرية لمصر في تلك الفترة و التقائه بالعديد من القيادات الاسلاموية و الذي تحدثت عنه الصحافة المصرية , و الأكيد أنه لم يأتي الى مصر لزيارة الأهرامات و الأقصر !
و كأن كل شيء كان مخططا له , و عملية التأثير على الرأي العام و فرض الأمر الواقع و التهديدات للمجلس العسكري بتصريحات متتالية لهيلاري كلينتون عن ضرورة "احترام الارادة الشعبية" و التي صارت تعني بالمفهوم الأطلسي حكم الاسلامويين حلفاء الغرب و محمياتهم الطبيعية التاريخية .
المجلس
العسكري و القوى الجمهورية في مصر و كأنها رضخت للأوامر و التهديدات, فبدأت
بمجموعة من المناورات لانقاذ ما يمكن انقاذه بدءا بحل برلمان "الآذان" و
مشروع قانون "جماع الوداع" الذي لم يزد الحالة السياسية و الاقتصادية و
الثقافية الا تدهورا و انحطاطا , ثم باصدار مراسيم لتحديد مهام الرئيس الاخواني
المقبل ( بعد ان تأكدوا من استحالة قبول حلفائه الأمريكان و الخليجيين بغيره رئيسا
لمصر) ,و مسكه أيضا بكل صلاحيات السلطة التشريعية , قوانين ستجعل من الرئيس القادم
"منزوع الدسم" مجردا من كل الصلاحيات و قد نجحوا في ذلك لحد الآن .
أيام قليلة
قبل اعلان النتيجة , بدأنا نلاحظ رجوع ما يسمى المليونات و التي أصبحت هذه المرة
أكثر تهديدا للأمن القومي المصري بتصريحات نارية لبعض الزعماء الاسلامويين لا تريد
أن ترى أي رئيس آخر غير مرسي , لن نتحدث عن الترسانات الرهيبة من الأسلحة التي تم
ضبطها من طرف اجهزة الأمن المصرية و التي يبدو تزامنها مع فترة الانتخابات غير
بريء .
المدة الزمنية
الطويلة لاعلان النتيجة لم تزد الشارع المصري الا ارباكا , أصبحت فيها مصر على كف
عفريت و لكنها في الحقيقة لم تكن الا فترة للمفاوضات وراء الكواليس و الغرف
المظلمة , بين العسكر و الاخوان و أطراف داخلية و خارجية تدعمهم , فالطعون التي تم
الحديث عنها في ندوة اعلان النتائج كانت بسيطة جدا و لا تحتاج لكل هذه المدة من التدقيق
, و كان الاتفاق قد تم على محمد مرسي ...و لو لفترة قصيرة تجنبا لأي انفجار و الكل
يعرف مدى قدرة بعض الأطراف الخليجية على زعزعة استقرار الدول ذات النظام الجمهوري
و تأليب الشعوب ضد جيوشها النظامية و باستعمال الفزاعة الاسلاموية ,جينيرالات مصر
رضخوا ربما للضغوطات من أجل مصلحة مصر و النظام الجمهوري حتى تهدأ الأمور , ثم ربما سيكون مصيره
كالبرلمان الذي تم حله !
لست من الذين يعتقدون بنظرية ما
يسمى معاداة و شيطنة "حكم العسكر" التي يراد بها خلق جو من العداوة بين
الشعوب و جيوشها و خاصة في الدول التي تمتلك جيوشا قوية كمصر و
الجزائر و سوريا , الجيوش النظامية الآن صارت هي العقبة الأخيرة لاسقاط آخر
الأنظمة الجمهورية لاقامة "خلافات" و مشيخات موالية على الطريقة
الخليجية و هذا ما يراد لمصر الآن. أليس العسكر التركي هو الذي انسحب من الحياة
السياسية بعد أن قدم على طبق دولة حديثة و متطورة لزميلهم أردوغان؟
و الآن و قد
صار محمد مرسي رئيسا لمصر , ما الذي سيحدث ؟
اول شيء يجب أن
نتساءل عنه هو هل سيلتزم الاخوان بالعهود مع الجيش المصري أم سينقضونها كالعادة ؟
ألم يعلنوا من
قبل أنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسيات و سيكتفون باقتسام السلطة و الحفاظ على
التوازنات , ليفاجئوا الجميع بتقديمهم لثلاث مترشحين للرئاسة ...ضربة واحدة ! بالاضافة الى
محاولتهم الهيمنة على لجنة صياغة الدستور
بالاضافة الى قانون العزل السياسي الذي صاغوه بطريقة فاضحة يستهدف شخصية معينة
بذاتها.
خطأ فادح سبب ردة فعل عنيفة من الجيش و القضاة
في مصر و كلفهم حل تأسيسية صياغة الدستور و البرلمان و باستعمال القوانين التي
فصلوها هم بذاتهم لضرب غيرهم , ما يثبت انعدام أي رؤية مستقبلية أو استشراف , و
"هواية" سياسية تجعلنا نتساءل عن مصير مصر اذا تمكنوا فعلا من السيطرة
على كل مفاصل الدولة.
هل سيكررون
نفس الأخطاء التي عرفوا بها طوال التاريخ و لم يتعظوا و كأنها جزء من تركيبتهم
الفكرية , و ذلك في دخولهم في كل مرة في صدام مع الجيوش النظامية و المجتمعات و
تدخلهم السافر في خصوصيات الأفراد و حياتهم الشخصية ؟ شخصيا أشك في ذلك , بالنظر
الى تاريخهم و ادبياتهم , فنفس الظروف تؤدي الى نفس النتائج , و لم تحدث اي
مراجعات أو تجديد لأفكار "شيوخهم" و مفكريهم المعروفين و الذين يصلون
الى درجة القداسة بالنسبة لاتباعهم .
ثم ماذا عن
مدنية الدولة ؟
يحاولون في الكثير من الأحيان مغالطة الرأي
العام بالقول أنهم سيستلهمون تجربتهم القادمة من أردوغان . يجب التذكير بشيء ,
اردوغان أعلنها امامهم في مصر و قال أن الدولة التركية التي يقودها "مدنية و
علمانية , علمانية , علمانية" أعادها
عليهم ثلاث مرات لعلهم يفهمون , فهل سيجرؤون على قول نفس الشيء و يستلهموا من
أفكار مثلهم الأعلى ؟ ...يستحيل و على ضمانتي !
اردوغان ليس
اسلامويا و لا اخوانيا , هو فقط الرئيس التركي الوحيد منذ اتاتورك الذي تجرأ و قال
أنه مسلم ...و فقط , و كفى مغالطات !
و ماذا عن
الثورة ؟
أتمنى فقط أن
تبقى صلاحيات الرئيس الجديد محدودة , و الا فالحركات الثورية اليسارية منها و
الليبيرالية هي أول من سيدفع الثمن بارتكابها لخطأ استراتيجي و تحالفها مع الرجعية
و نزولها الى الميدان معها , كان عليها أن تتكتل في جبهة واحدة ثالثة مناهضة
لهيمنة العسكر و الاسلامويين في نفس الوقت ...
الصدام القادم !
الصدام و
كالعادة بدأ فمن شب على شيء شاب عليه , و "أول الغيث" اعلان محمد مرسي
أنه لن يقسم اليمين الدستورية الا أمام البرلمان المنحل قانونا , هو تحدي للقضاء
و للقانون المصري , و سيسيل كثيرا من الحبر الأيام القادمة ...فربما يريد أن يقسم
أمام المرشد...المرجع و الولاء الوحيد للاخوان , حتى و ان اعلنوا غير ذلك .
ثاني صدام سيكون
في ساحة التحرير , بعد اعلان المعتصمين أنهم باقون حتى انسحاب الجيش من الحياة
السياسية رغم فوز مرشحهم , و من هنا سيبدأ
"الزحف" و الوعيد في الأيام القادمة .
الصدام سيبقى
و على اشده و سيزداد , و سيحدث نفس سيناريو البرلمان و تأسيسية الدستور .
شيء آخر ,
هناك دعوى قضائية بحل جماعة الاخوان المسلمين في أدراج المحكمة الدستورية , تماما
كما كانت قضية حل البرلمان في طي النسيان
و تم نفض الغبار عنها و تفعيلها في رمشة عين !...الخطأ القادم سيكون ثمنه حل
الجماعة نهائيا و الدعوى القضائية تم تأجيل النظر فيها الى شهر سبتمبر المقبل .
بالنظر الى فكر هذا النوع من الحركات , فالصدام معها حتمي , والتاريخ يقول انها هي دائما من يدفع الثمن !
الأكيد أن مصر
ستعيش صيفا حارا جدا ...سينتهي بحل جماعة الاخوان , ان لم يتعظوا مرة أخرى , خاصة أن
شعبيتهم صارت في انحدار رهيب , , فمن أكثر من
ثلاثين مليون صوت في الانتخابات البرلمانية نزلوا الى ثلاثة عشر مليون صوت و
بصعوبة , أغلبهم صوت ضد شفيق و ليس للاخوان ... !
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.