عشرون سنة مرت على
ذكرى اغتيال أحد أبرز القادة التاريخيين للثورة التحريرية الجزائرية,مرت علينا
مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن !...رجل ولا كل الرجال ,
كان ثائرا حتى قبل اندلاع الثورة , أسس مع رفقاء له في النضال من أجل
الاستقلال "المنظمة العسكرية
السرية" التي كانت تؤمن بأن الحرية تؤخذ و لا تعطى أواخر الأربعينات من القرن الماضي والتي كان لها
التأثير الكبير على اندلاع الثورة التحريرية بضع سنوات من بعد, في الوقت الذي كان الكثير
من الذين أصبحوا "رموزا" وطنية بعد الاستقلال , ينادون بفكرة الإدماج و
يشككون في وجود أمة جزائرية و آخرون يرون أن الثورة فكرة شيوعية كافرة و لا يجوز
الخروج على ولي الأمر "فرنسا" , هؤلاء هم من أصبحوا "أبطالا"
بعد الاستقلال , ليجد الثوار الحقيقيون كبوضياف و آيت أحمد و كريم بلقاسم و عشرات آخرون
أنفسهم في المنفى بعد الاستقلال...سخريات القدر !
الحديث عن سيرة الزعيم الراحل محمد بوضياف و نضاله سيحتاج لمجلدات ضخمة , سنكتفي بالحديث عن اللغز الذي لم نجد له لحد اليوم جوابا شافيا مقنعا , فتساؤلنا اليوم و تساؤل كل الجزائريين لازال قائما بعد عشرين سنة عن اغتياله , من الذي اغتال الرئيس محمد بوضياف ؟
الكثير من
النظريات و الأبحاث و المقالات تخرج علينا من حين لآخر , أغلبها مدفوع بعصبيات
سياسية و إيديولوجية و بدوافع انتقامية تتهم
مباشرة الطرف الآخر المضاد و المعارض لها و تفتقد للمصداقية و للضوابط العلمية في
البحث و لا تظهر إلا في مناسبات أو فترات معينة و مدروسة تحقيقا لأجندات آنية و
حسابات سياسية و صراعات مصالح .
سنحاول في مقالنا
هذا أن نبحث في كل الفرضيات و بنظرة المحايد و سنحاول أن ندقق فيها
الفرضية
الأولى : النظام
هي الفرضية الأكثر
تداولا لأنها الأسهل فالمعروف أنه يكفي في مجتمعاتنا المتخلفة أن يشعر أحدهم بصداع في رأسه
ليتهم النظام ! و خاصة عند بعض أطراف المعارضة التي جعلت منها
تجارة لتقتات منها ...خبزا في لندن ! , ليس لأسباب منطقية و
علمية و لكن مجرد تجسيد لفكرة الانتقام السياسي و صراع المصالح .
و لكن لنحاول
مناقشة هذه الفرضية , أول تساؤل يتبادر إلى أذهاننا هو : لماذا يغتاله النظام و
هو الذي أحضره من منفاه و فرش له البساط الأحمر ؟ و المعروف أن الراحل بوضياف كان
قد اعتزل السياسة نهائيا والتزم الصمت و لم يكن يشكل أي تهديد على السلطة في
الجزائر , لو كان النظام يرى فيه خطرا لتركه يعيش بعيدا عنه و هو الذي قرر التزام
الحياد و السكوت ؟
هناك بعض الآراء
تقول أن الرئيس بوضياف رحمه الله قد حاول تعدي بعض الخطوط الحمراء في السياسة
الخارجية للجزائر و على رأسها قضية الصحراء الغربية و بدأ يلمح إلى التنازل عن هذه
القضية و اعتبارها حملا ثقيلا على كاهل الدولة , و المعروف أن هذه القضية تعتبر من
"المقدسات" في عقيدة النظام و الجيش الجزائري والنقطة الوحيدة التي يتفق
عليها جميع الجزائريين مهما اختلفت توجهاتهم و عقائدهم , فهل كان ينوي فعلا تغيير
سياسة الجزائر في قضية الصحراء الغربية ؟ و هل إقامته الطويلة في منفاه في المغرب
الأقصى هي من جعلته يتأثر و يتبنى الأطروحة المغربية ؟
قضية أخرى... و لمن عاشوا في تلك الفترة فربما يكونون قد لاحظوا الإشهار و الحضور الإعلامي القوي لعائلة المرحوم بوضياف , و على رأسهم ابنه الذي صار لا يمر يوم دون أن يظهر على صفحات الجرائد و التلفزة و كأنه يستغل عطف و منصب والده لأغراض سياسية أكبر منه , و أصبح يسوق لنفسه على أنه زعيم الجبهة الديمقراطية القادمة و بدأ يؤسس لتحالف سيرأسه , طموحات هذا الابن بدأت تثير قلق الكثير من الجزائريين في ذلك الوقت و بدأ الكثير يرى أنه ربما سيكون تأسيسا لحكم عائلي وراثي على طريقة حسني مبارك و أولاده , خاصة أن هذه "الثقافة" لم يعرفها الجزائريون طوال تاريخهم , و مازاد الطينة بله , الظهور الإعلامي الآخر لزوجة الرئيس و هي تقود المنظمات النسوية !
الفرضية الثانية : المافيا المالية
الكثير ربما لا
يعرف الميولات اليسارية للرئيس الراحل و دفاعه المستميت عن الطبقات الكادحة و
الفقراء و مقته للرأسمالية المتوحشة وبارونات المال الوسخ , المعروف أيضا أنه قد
أسس حزبا ذو توجه يساري متطرف في بداية الستينات من القرن الماضي تحت اسم "الحزب
الاشتراكي الثوري" , كل هذا يعطينا لمحة عن العقيدة السياسية و الاقتصادية للرئيس
الراحل , و التي دشنها مباشرة بعد توليه الرئاسة بتلك العملية المشهورة في القبض على أحد أكبر
بارونات المال و السلاح الجزائري , في عملية إنزال جوية عسكرية سرية تم فيها إلقاء
القبض على المدعو "الحاج بطو" و الذي كان يرأس "جمهورية " لوحده
داخل الجمهورية الجزائرية !
هذه العملية ربما
جعلت الكثير من أمثال "الحاج بطو" يعيدون حساباتهم و يخافون من هذا
الرئيس الذي كشر عن أنيابه و يريد رؤوسهم ؟
لا ننسى أيضا معارضته لكل أشكال غلق المؤسسات و
شروط صندوق النقد الدولي في ظل الأزمة الخانقة التي كانت تعيشها الجزائر في تلك الفترة
و التي لم تعجب الكثير من الأوساط الداخلية و الخارجية .
الفرضية الثالثة : الارهاب
لا أحد ينكر
الاختراقات الهائلة التي حققتها تيارات الإسلام المتطرف في كل أجهزة الدولة و صلت
حتى القطاعات الأمنية الحساسة , رجال سياسة و وزراء و ولاة تم اغتيالهم بسبب هذا
الاختراق و خاصة في ظل الانحطاط و اللامبالاة الذي وصلته الدولة في ذلك الوقت و الكل
يذكر جيدا تلك العمليات الاستعراضية الكبيرة التي كانت تنفذنا تلك الجماعات .
الفرضية الرابعة : الفعل
المنعزل
شخصيات سياسية
كثيرة تم اغتيالها في العالم أجمع بمبادرات فردية منعزلة , لأشخاص مصابين بأمراض
نفسية و يبحثون عن الشهرة , أو تدفعهم رغبات انتقامية .
لم نقم الا
باستعراض أبرز الفرضيات في ظروف اغتيال رئيسنا الراحل رحمه الله , الأكيد أن كل بحث علمي عن
الحقيقة سينطلق من هنا , و سنترك الحكم للاختصاصيين و للتاريخ.
الأكيد أيضا أن لا أحد
من الجزائريين الغيورين على وطنهم كان يتمنى هذه النهاية المأساوية لأحد رموزه
الوطنية و هرم نضالي سيذكره التاريخ و الأجيال , الجزائريون لا يريدون الا الحقيقة
في ظروف و أسباب اغتياله , فهل سيأتي يوم و نعرفها ؟ أم ستبقى لغزا لعقود أخرى
تماما كقضية اغتيال الرئيس الأمريكي كينيدي.
أخيرا أحد قواعد
علوم الجريمة يقول ..."لتعرف الجاني , ابحث عن المستفيد" !
...و المستفيدون كثيرون !
....يتبع
من خلال تقديمك للفرضيات الأربع لم تقدم لنا جديدا واحدا أو سبر مســار الأكثر ترجيحــا ممــا زادنا ضبابيــة و لبوســا , وحتى أنصــح أخي العزيز , أن كــل الدراسات التي تناولت الإغتيالات ,ينطلق الكاتب من مقدمــة منطقيــة و يحــاول دراستهــا بجميع جــوانبهــا و يسبر غــورهــا ... لأن الدراســة هي التي تعنينــا و تتبع الخيط المنطقي هــو الأهــم من وضــع فرضيات دون البرهنــة عليهــا , يمكنني الآن وضــع فرضيــات رغــم أنهــا لا تمت للواقع بصــلة و لكــن أبرهــن براهين مختلفــة لأجل تثبيت صــحة مقــولتي ... لذلك أرى مــا قدمته مجرد كــلام لا يسمن و يغني من جــوع ...
RépondreSupprimerعليك أولا أن تقرأ كلمة كتبتها أسفل المقالة و هي "يُتبع" يعني أن المقال ليس الا في بدايته و سأنشر الباقي و هو أطول بكثير , ثم عن الفرضيات فلا تظن أن كل الناس "بمستواك" الفكري و التحليلي , هناك من تعودوا على فرضية اعلامية واحدة على الجرائد الصفراء و قصة "الجنرالات" , على الأقل تحدثت عن فرضيات أخرى لا يعرفها الكثير
RépondreSupprimerواصل يا عبد الرزاق و لا يهمك أحد.مقال جيد
RépondreSupprimer