قرون طويلة
من الاستبداد و الطغيان و الاستعباد عرفته الشعوب المسلمة تحت مسمى الخلافة
المقدسة و دين السلاطين أو الوطنية المزعومة و لمحاربة العدو الخارجي الخيالي
لحماية "العدو" الداخلي , ملايين الأيدي و الرؤوس البريئة قُطعت و نساء رجمن حتى
الموت أو أخذن إلى قصور "حماة الدين" كجواري و ملك يمين تحت مسمى الدين
و طاعة ولي الأمر و السلطان , شعوب بأكملها تمت إبادتها عن بكرة أبيها و مُحيت
ذاكرتها لأن سوء حظها أوقعها في طريق "الفاتحين" , فضائع و جرائم ضد
الإنسانية و العقل و شرف الشعوب لم يعرف لها التاريخ مثيلا , ليتكفل بعدها
الاستعمار الغربي الحديث بإكمال "المهمة" طوال عقود طويلة و الذي لم يكن
إلا تحصيل حاصل , فقد وجدوا أمامهم شعوبا منهارة مذلولة مشردة لا حول و لا قوة لها
أمام استعمار أجنبي يفوقها حضارة و علما .
ذهب الاستعمار و جاءت حكومات تسمى "وطنية" لم تزد الشعوب إلا
قهرا و ظلما و لن نستفيض كثيرا في سرد كوارثها , فذلك ليس موضوعنا اليوم و لكننا
سنتحدث عن ظاهرة جديدة على المجتمعات المسلمة بدأت تعرف بعض الانتشار و أصبح لها
أتباع و مُريدون يُفتون و يبررون لها , إنها الديانة الوطنية و السياسية و الاجتماعية و التي أصبحت
"دينا" و "جهادا" مقدسا تتعالى له التكبيرات و الوعود بالحور
و أنهار الخمر !
لا الاستعمار الأجنبي و لا الاستبداد و الطغيان استطاعوا أن يقتلوا في
شعوبنا تلك الغيرة المتوارثة على الأرض و الوطن و الأهل , شعوبنا تعرضت لكل أنواع
القهر و الطغيان و التجهيل و التفقير و التجويع و لكنها لم تركع و لم تفقد شرفها ,
فالاستعمار الأجنبي بقي دائما رمزا للعدو الذي حتى و إن لم نقدر على محاربته
فعلينا على الأقل أن نكتفي بمعاداته و عدم التعامل معه و مساعدته كأضعف
الإيمان !.. هكذا كانت الأمور , قبل أن تظهر عندنا تلك الحركات
السياسية التي تلبس عباءة الدين و تنشر فكر الدياثة المقدسة في وسط الشعوب
ما لم يتمكن منه الاستعمار و الاستبداد طوال قرون , استطاعت أن تحققه تلك
التيارات المتأسلمة في بضع عقود و التي جعلت من خيانة الأوطان رأيا و جهادا و
التكبير لطائرات الناتو عملا مقدسا يُجاز
عليه صاحبه بجنّات تجري من تحتها الأنهار !!
تحدث الكثيرون عن نظرية الجهل المقدس و كتبنا سابقا مقالا عن الرعب المقدس,
و لكننا نجد أنفسها الآن أمام ظاهرة جديدة أخطر بكثير و تهدد بانهيار كامل للدول و
القيم و الأخلاق في مجتمعاتنا , كلّ هذا تحت غلاف ديني مقدس تتكفل به حركات
متأسلمة مستعدة لإعطاء البعد المقدس لكل خيانة و دياثة و تجد لها المبررات
"الشرعية" , نحن نعيش زمن الدياثة المقدسة !!
الدياثة المقدسة السياسية
لم يعد أمرا عجيبا الآن , بل صار من "الواجبات" , أن ترى أشخاصا
يكبّرون للطائرات الغربية و هي تقنبل لهم بلدانهم و هم يشعرون بغبطة لا مثيل لها ,
لم يعد غريبا أن تسمع شيخ الإسلام الأطلسي و الدياثة السياسية و هو يشبه طائرات
الناتو بطير الأبابيل و يقول أن الرسول (ص) لو كان بيننا اليوم كان سيضع يده بيد
الأمريكان , أو وهو يستجدي أمريكا لضرب سوريا و يعدها بأجر عظيم في الدنيا و الآخرة , و الكارثة أن لهذا الكاهن أشباه و
أتباع كثيرون سيتكفلون بنشر فكر الدياثة المقدسة في وسط الجماهير و قد حققوا نتائج
"طيبة" في ذلك , فأتباعهم أصبحوا الآن بالملايين !
لم يعد غريبا أيضا أن نسمع عن "مجاهدين" و هم يتزودون و يعالجون
في اسرائيل
الدياثة المقدسة الاجتماعية
هذه الظاهرة الاجتماعية بدأت تحقق "اختراقات" في مجتمعاتنا
المعروفة بأنها محافظة و غيورة على شرف نسائها , أصبحنا اليوم نسمع عن نوع جديد من
الدياثة المقدسة , انه جهاد النكاح الذي دفع بالعديد من النساء المسلمات إلى
ممارسة الدعارة تحت غطاء "الجهاد" و فتاوي عجيبة و شيطانية يتم "استنباطها"
كالعادة من كتب صفراء أصبحت مصدرا لتشريع الدياثة و الخيانة و الذبح و كعادتهم فالدلائل الشرعية موجودة !
رغم عشرات الفيديوهات المنتشرة التي تثبت انتشار هذه الظاهرة في سوريا , و
رغم التحقيقات التي بثتها العديد من القنوات الأجنبية عن الظاهرة , إلا أن الكثير
من شيوخ الدياثة كانوا ينكرون الأمر كعادتهم بعد أن يفتوا سرا , إلى أن جاء اليوم
الذي ظهر فيه وزير الداخلية التونسي و هو يصرخ من على منبر البرلمان و يتحدث عن
عشرات الفتيات التونسيات اللواتي عدن من سوريا و هنّ حوامل و محطّمات نفسيا !!
ظاهرة أخرى , و هي استعمال النساء و الأطفال اليتامى في الصفوف الأمامية في
مظاهرات "الشرعية" في مصر , نساء يعتبرن في العادة كناقصات عقل و عليهن
أن "يقرن في بيوتهن" بالنسبة لهذه التيارات الرجعية و لكن يبدو أن
للضرورة أحكام , و أن للدياثة المقدسة مخارج فقهية و شرعية كالعادة !
هذه ليست الّا أبرز مظاهر هذه الظاهرة الجديدة و الخطيرة جدا على مجتمعاتنا
و التي ستكون بمثابة إعلان مسبق لانقراض وشيك للأخلاق و المُثل الإنسانية ,
مجتمعات لا تريد أن تسمّي الأشياء بمسمياتها و تفضل غرس رؤوسها في رمال مقدسة
مزعومة , مجتمعات لا تفهم أن جهاد النكاح ليس إلا دعارة و أن ما تسميه
"جهادا" أطلسيا يسمّى خيانة للوطن في المجتمعات التي تحترم نفسها , و أن
متعة الغلمان ليست إلا شذوذا , و أن أغلب الشيوخ ليسوا إلا مروجين لفقه الجريمة
المقدس و الخيانة و الدياثة , و أن السبي ليس إلا استعباد للمرأة و أن ملك اليمين
اغتصاب و أن "الغزوات" و الاعتداء على الأملاك ليس إلا لصوصية و
سرقة !
و نحن ندعو من على هذا المنبر كافة الاختصاصيين الاجتماعيين و السياسيين إلى
دراسة ظاهرة الدياثة المقدسة التي بدأت تعرف انتشارا مخيفا و أن تتكاتف الجهود
لإيقافها
... و اللهم فاشهد أننا قد بلّغنا !
جميع الحقوق محفوظة
نُشر المقال على موقع التقدمية بتاريخ 29 مارس 2014
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.