بعض المواقع الشهيرة التي نشرت المقال
سبق أن تحدثنا في تحليل سابق عن الإستراتيجية و النظرة الروسية للأزمة السورية و قلنا أن كل الحملات الدعائية و بالونات الاختبار التي يطلقها البعض من حين لآخر و التي تتحدث عن تغير وشيك في الموقف الروسي ليست في الحقيقة إلا عمليات رفع لمعنويات ما يسمى المعارضة أو مجلس اسطنبول و تلك العصابات المسلحة التي يدعوها البعض "الجيش الحر" . روسيا لن تغير موقفها لسبب بسيط , الأزمة السورية أصبحت مسألة أمن قومي لروسيا , و المصير أصبح مشتركا , إن سقطت سوريا في يد جماعات القاعدة و كتائب الطليعة الاخوانية , سيكون الزحف القادم على تخوم الإمبراطورية الروسية لإسقاطها .
" اقرأ تحليلنا السابق روسيا و الأزمة السورية ... مسألة حياة أو موت "
روسيا اليوم ليست تلك الدولة الضعيفة التي كانت تكتفي بالدفاع و بالتنازلات
, روسيا انتقلت إلى مرحلة جديدة من إستراتيجيتها في المنطقة , دبلوماسيتها أصبحت
شرسة و هجومية و خاصة في الملف السوري , روسيا أصبحت الآن اللاعب الرئيسي في
الأزمة , أخلطت كل الأوراق , و هي الآن من يقوم بتوزيعها و بشروطها و اجتماع جنيف الأخير أثبت ذلك .
رغم بعض التحليلات المتشائمة من بيان مؤتمر جنيف , إلا أنني أرى فيه
انتصارا آخر للدبلوماسية الروسية , حيث كانت من أبرز نقاط هذا البيان , الحديث عن
احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية ووضع
حد للعنف من الطرفين في إشارة واضحة إلى الإرهاب المعنوي و الجسدي الذي تمارسه
الجماعات المسلحة المسماة "الجيش الحر" ضد السكان , لأول مرة يتم
الاعتراف رسميا بوجود هذه المجموعات و في قمة على أعلى مستوى , فقد كان الحديث
دائما عن "عنف" الجيش العربي السوري متناسين عمليات التفجير و الذبح
اليومية و التي جعلت الجيش السوري في موقف الدفاع عن الوطن و المواطنين ,
"عنف" شرعي تمارسه أي دولة يتعرض أمنها للخطر ولا مجال لمقارنته
بالجماعات المسلحة التي تتلقى دعما خارجيا هائلا عدة و عتادا من دول الخليج و
تركيا خاصة.
البيان الختامي تحدث أيضا عن ضرورة ممارسة ضغوط من الدول المؤثرة على كل
أطراف الأزمة لوقف كل أشكال العنف من أي جهة كان , لا نحتاج لأن نكون عباقرة
لنلاحظ كذلك أنها أول مرة يتم فيها الاعتراف بأن هناك دولا "مؤثرة" تدعم
أطرافا في عنفها و الإشارة هنا واضحة إلى
قطر و تركيا و الدور الذي تلعبه في دعم الجماعات الإرهابية بأحدث أنواع الأسلحة و
التجهيزات و مئات الملايين من الدولارات , و الحديث عن هذا الموضوع في البيان
الختامي يعني و بما لا يدع مجالا للشك اعتراف أمريكا رسميا تحت الضغط الروسي و
الصيني بوجود هذه الجماعات الإرهابية , وهي خطوة كبيرة و ذكية نفذها الروس و
الصينيون لتعرية هذه الجماعات أمام الرأي العام العالمي و هو ما بدأ يحدث بالفعل فقد
صرنا نلحظ تغيرا في موقف الكثير من الدول و على رأسها ألمانيا التي يبدو أن تقريرا
صحفيا ميدانيا واحدا لأحد أشهر قنواتها التلفزيونية عن الوضع في سوريا و عن العنف
و الفضائع الذي تمارسه الجماعات الإرهابية
في سوريا قد غير موقف الشعب الألماني و حكومته.
السياسة الروسية الآن تهدف الى خلق اطار جديد لحل الأزمة السورية بعيدا عن تلك "المبادرات" المشكوك فيها و العبثية و التي لم تزد الأزمة الا تأزما , و قد تمكنت من ذلك و بشكل كبير , لم نعد نرى لا وزير خارجية قطر و لا أردوغان و هما يتنطعان على المنابر يهددان و يتوعدان , فكل ذلك أصبح من الماضي , و اللعب الآن أصبح بين الكبار .
أول خطوة في الإستراتيجية الروسية و حليفتها في الملف الصين , هي تقزيم دور
ما يسمى "أصدقاء سوريا" و لما لا القضاء عليها نهائيا , هذه الهيئة التي
لم يكن لها من هم الا البحث عن مصادر تمويل و تسليح للجماعات الإرهابية المسلحة و لمجلس اسطنبول لإيوائهم
في أفخم الفنادق الباريسية و التركية .
مؤتمر "أصدقاء سوريا" مات إكلينيكيا و بيان مؤتمر جينيف الأخير
كان آخر مسمار يدق في نعشه , كل نقاط البيان الذي خرج به المؤتمر متناقضة تماما مع
سياسة و أهداف ما يسمى "أصدقاء
سوريا" , لتواصل روسيا عملية التفكيك و تعلن أنها لن تشارك في مؤتمره القادم
في باريس , و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد , فقد أعلنت الصين بأنها لا تعترف
بجماعة "أصدقاء سوريا" و بأنها لن تشارك في اجتماعه القادم , ضربة
قاصمة !
ذكاء بوتين و الدبلوماسية الروسية, ظهرت بوضوح في أحد بنود بيان مؤتمر جنيف
, الذي كان بمثابة السم في الدسم لجماعة مجلس اسطنبول , البند الذي يتحدث عن ضرورة
توحد كل فصائل المعارضة تمهيدا لدخولها في حكومة وحدة وطنية !
الروس يعرفون جيدا مكونات هذه "المعارضة" فأغلبها عبارة عن
مرتزقة يعملون وفق أجندات خارجية , و لا
هم لهم إلا جمع الأموال و الظهور الإعلامي على القنوات و الصحف , فيكفي أن تعرض
عليهم ما هو أكثر إغراءا من كل هذا ...حكم سوريا في إطار حكومة ائتلافية , لتراهم
يتقاتلون و يتصارعون فيما بينهم من أجل المناصب و يظهروا على حقيقتهم , و هذا ما
كانت تبحث عنه روسيا بإدراج هذه النقطة في بيان جينيف !
بعد أن استطاعت إفراغ مؤتمر "أصدقاء سوريا" و تقزيم دور قطر,
روسيا تريد الآن تفجير ما يسمى "المعارضة" أو مجلس اسطنبول من الداخل و
فضحها و هذا ما حدث بالفعل في مؤتمر القاهرة للمعارضة منذ يومين , و الذي كان من أهدافه توحيدها و تعيين ممثلين
لها تمهيدا لانضمامهم للحكومة السورية الائتلافية , كما نص عليه بيان جينيف...و
كانت الفضيحة !
تسريبات صحفية من كواليس مؤتمر القاهرة , تحدثت عن "معارك" وصلت
حد الاشتباك بالأيدي و اللكمات بين "المعارضين" !! , مؤتمر وحدة , تحول إلى
عمليات "انشقاق" و تقسيم في صفوف مجلس اسطنبول , حتى أن أحدهم قال وهو
يبدي سخطه عن استبداد بعض أطراف مجلس اسطنبول
"أنه إذا كانت هذه هي الديمقراطية , فمرحبا ببشار الأسد" , تصريح
مثل هذا يختصر و في جملة صغيرة , تفكير هذا النوع من "المعارضة"
المأجورة التي لا يهمها خراب وطنها اذا تعلق الأمر بالاقتتال
على الغنائم و المناصب .
"معارضة" خرجت ببيان "سريالي" يتحدث عن ما بعد الأسد ,
عوض الحديث عن موضوع اجتماع القاهرة الذي كان هدفه توحيد هذه المعارضة , تجنبا
لانفجارات و فضائح كبرى كانت ستحدث في حالة الاصرار على الحديث عن توحيد المعارضة
كما نص عليه مؤتمر جينيف !
مجلس اسطنبول سيكتفي و كعادته بحضور "جلسات السمر" الباريسية في
مؤتمر أصدقائه , و سنسمع تلك الأسطوانة المشروخة عن الحظر الجوي و الممرات
الانسانية و البند السابع و التدخل الأجنبي , ثم الالتقاء في الكواليس لاستلام
الشيكات و قضاء بقية السهرة في أفخر المطاعم و الكازينوهات الباريسية .
في الداخل السوري , أول نتائج مؤتمر جينيف هو إعلان ما يسمى "الجيش
الحر" أنه لم يعد يعترف بمجلس اسطنبول و اتهامه بالعمالة ...للنظام ! , تصريح يثبت بوضوح حالة
التخبط و الضياع الذي أصبحت تعيشه
"المعارضة" بفرعيها المسلح و السياسي , فمن معارضة سياسية مأجورة إلى
"جيش حر" ليس في الحقيقة إلا عبارة عن جماعات إرهابية سلفية تدعمها
السعودية , و اخوانية برعاية قطرية بالإضافة إلى مجموعات من المجرمين و قطاع الطرق
"المستقلين" !,
لا هدف لها إلا إشاعة الفوضى و الخراب و الموت و لا يمكن لأحد أن يتحكم فيها إلا
...بدفع الأموال !
الانتقال من حالة الدفاع الى الهجوم الديبلوماسي الذي تبنته روسيا و سوريا
, كان من أبرز نتائجه اسقاط الطائرة التركية...و بدم بارد ! , فضيحة أخرى لدركي أمريكا في
المنطقة أردوغان , الذي أثبتت الوقائع أنه ليس الا طبلا فارغا مهمته احداث الضجيج
في المنطقة , لا يجرؤ حتى على الرد بدون أن يرجع الى أسياده , حتى صرخته "وا
أطلسياه" لم تنفعه و اكتفى حلفاؤه في اجتماع الناتو بالقول أنهم ضد التصعيد ,
و نصحوه في الكواليس بأن يسكت و يبلع الحبة ...كعادته , و هو المتعود على مثل هذه
الشطحات الإعلامية , فكلنا يتذكر حادثة الباخرة التركية لما داست إسرائيل عليه و
قتلت له العديد من المواطنين الأتراك , ليقيم الدنيا و يقعدها بصرخاته الفارغة
التي بدأنا نتعود عليها الآن و النتيجة...إسرائيل اليوم هي المتعامل التجاري الأول
مع تركيا في المنطقة , و السواح الإسرائيليون بالآلاف في تركيا ...هذا هو أردوغان
الاسلاموي دركي أمريكا , مجرد كلام فارغ لا يقوى حتى على حماية مواطنيه و الثأر
لهم .
الاستفزازات السورية و الروسية لأردوغان و حلفائه تتواصل , صرنا نسمع يوميا
عن اقتراب المروحيات السورية من الحدود التركية و هي تطارد الجماعات الإرهابية , و
سنسمع قريبا عن اختراقات للحدود التركية و لن يتجرأ أردوغان على فعل شيء لأن الأمر
ليس بيده , اللهم بعض التصريحات الإعلامية كعادته !
حادث آخر , مر مرور الكرام رغم أهميته و رمزيته , قصة "الشهب"
التي ظهرت في سماء سوريا و الأردن و لبنان و حتى تركيا , و التي لم تكن في الحقيقة
إلا تجارب لأسلحة و صواريخ روسية حديثة , رسالة فهمها جيدا أردوغان الذي اكتفى
باسترجاع خوذتي قائدي طائرته التي أسقطتها سوريا , و سكت عن الكلام المباح !
الأكيد أن السياسة الروسية في المنطقة و في الملف السوري خصوصا قد تغيرت
كثيرا منذ بضعة أشهر , أصبحت أكثر هجوما و استفزازية للغرب , روسيا تريد إعادة
تشكيل المعادلة الآن على أسس صحيحة , بإبعاد تلك المعارضة المأجورة المسماة مجلس
اسطنبول و التي لا تمثل إلا نفسها , و بإدخال أطراف جديدة و شريفة من معارضة الداخل التي
تعيش وسط الشعب السوري و العمل على حل سياسي يقرره الشعب السوري وحده .
الروس و الصينيون يعرفون جيدا أن تلك المعارضة المأجورة ليست في الحقيقة إلا
عائقا نحو حل سياسي سلمي , يجب إبعادها من الساحة و تفكيكها و مؤتمر جينيف كان أول
خطوة و "طعم" في هذا المسار ,
أول انفجار داخلي حدث في مؤتمر القاهرة...و الأيام القادمة ستكون مليئة بالمفاجآت
, و الانفجارات !
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.