بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق
التاريخ علمني أنه في عالم السياسة و في الجيوستراتيجيا و حركية الشعوب و الأمم يستحيل أن تحكم على أي حدث بالسلب أو بالإيجاب إلا بعد مرور سنين عديدة , فما يظهر لنا الآن أنه انتصار
و "فتح من الله" يمكن أن يتحول سببا لهزيمة و كارثة مستقبلا , و من نراه اليوم بطلا يمكن أن نكتشف مع مرور الزمن أنه لم يكن إلا مجرد خائن و لعبة في يد من كانوا يريدون إظهاره لنا على أنه المخلص ...العبرة بالخواتيم و هذه هي نقطة ضعفنا و كارثتنا .
المعروف عن الغرب أنهم يخططون لكل شيء و بدقة متناهية لكل ما يحدث الآن و
ما سيحدث بعد سنين طويلة , مئات مراكز البحث و الاستشراف و التخطيط يقودها و يعمل
بها باحثون عباقرة في شتى مجالات العلوم , يستشيرهم و يأخذ بأفكارهم و اقتراحاتهم
كل الرؤساء و صانعي القرار في بلدانهم ...و بلداننا !
من مثل هاته المراكز البحثية و المخابر "يصنعون" لنا حاضرنا و مستقبلنا و "زعمائنا" الورقيين و
"ربيعنا" , يرون المستقبل الآن و يستشرفونه و يخططون له و نكتفي نحن بما
نراه أمام أنوفنا و كلنا فرح و سرور بانجازاتنا !
بالعودة بضع سنين إلى الوراء سنفهم كيف بدأ التحضير لما يحدث اليوم , و كيف
بدأت صناعة من أصبحوا اليوم "أبطالا"
, سنفهم كيف استطاعوا أن يجعلوا من قناة الجزيرة صانعة للرأي العام العربي بإعطائها
الكثير من الحرية في تغطية حروب العراق و غزة و جنوب لبنان و تصويرها على أنها "ضحية"
بدفاعها عن المظلومين و كذبة تهديدات "جورج بوش" بضرب مقرها في
...الدوحة !
لتكسب تعاطف الجماهير و ثقتهم و تدخل
بيوتهم و عقولهم , تمهيدا للمهمات القذرة التي ستوكل لها فيما بعد.
اليوم فقط بدأنا نفهم سبب سكوت إسرائيل و الغرب عن إمارة حماس الاخوانية في
غزة و كيف تكفلت قناة الجزيرة بالإشهار لها و بتشويه صورة السلطة الفلسطينية , فالأحداث
الأخيرة و الاضطرابات في سيناء مصر و التي
تزامنت مباشرة مع وصول زملاء "أمراء" غزة في مصر إلى الحكم تجعلنا نُجزم أن تنسيقا ما
كان محسوبا و مخططا له منذ سنين عديدة ,
و ما على "أمرائنا" الجدد إلا انتظار "ساعة الصفر" ...
الحديث عن الشقيقة سوريا سيطول لتفكيك خيوط المؤامرة و التي بدأ التخطيط
لها كغيرها قبل سنين عديدة , لكننا سنتوقف عند أبرز أداة تخريبية في يد الامبريالية العالمية حاليا...أردوغان !
سنحاول أن نتتبع أهم مراحل صناعة هذا البطل المزعوم و "القائد الملهم حامي الإسلام و الحرية" , و كيف تم "التحضير" له طوال سنين عديدة و كيف تمت فبركة سيناريوهات بطولية و "عنترية" له عبر وسائل الإعلام العربية ليكسب مصداقية و يدخل بيوتنا و عقولنا , تماما مثل ...الجزيرة ! , استعدادا لبداية "المهمة" التي ستوكل له فيما بعد ...
حرب الجينرالات ...
كانت تُصيبنا الدهشة و الإعجاب و نحن نرى "البطل" أردوغان و هو
يُسقط و يُحاكم و يُدخل السجن المئات من الجنرالات و الضباط السّامين من الجيش
التركي ...ضربة واحدة , و العجيب في الأمر أننا لم نلاحظ أي ردة فعل أو اعتراض أو
مقاومة من جنرالات أشداء تعودوا على حكم تركيا منذ عشرات السنين , ليتحولوا فجأة
من أسود يسيطرون على أكثر الأنظمة العلمانية تطرفا في العالم إلى مجرد أرانب وديعة
راضية "بقدرها" ...
لم يتساءل أحد في ذلك الوقت عن سر هذه القوة الخارقة و المفاجئة لأردوغان و
كيف له أن يتحدى الجيش التركي و يجعله يرضخ
و يرمي بأغلب ركائزه في السجون و بكل تلك السهولة و السلاسة التي لا يمكن
لها أن تحدث في أعتي الأنظمة الديمقراطية في العالم , فكيف لها أن تحدث في بلد من
العالم الثالث ؟؟
الجواب بسيط , مصدر "القوة الخارقة" الأردوغانية المفاجئة
...أمريكي !
, و صناعة "البطل" و السوبرمان على الطريقة الأمريكية كانت قد بدأت في
تلك الفترة , أمريكا هي من مارست الضغوط و الابتزاز و التهديد على جينيرالات تركيا
و جعلتهم ينسحبون في هدوء ( لاحظوا التشابه مع طريقة عزل جينرالات مصر, لصناعة
"البطل" الجديد في مصر) , ليتركوا
"سوبرمان" يعمل فأمامه "مشاريع" كثيرة عليه
تنفيذها في المنطقة , ستبدأ أولا بسوريا و روسيا ...بعد بضع سنين !
رقصات فارغة !
تعالت التكبيرات و بدأت التنبؤات و التحليلات و البشائر على استوديوهات
الجزيرة و منابر مشايخ الإخوان و صفحات "دكاترة" "علوم" التنمية البشرية الخليجيين ,
كلها تتحدث عن ظهور فاتح عثماني جديد ,
سيحرر بلاد الإسلام من الصليبيين و الصهاينة و سيفتح القدس ...و غزة , كيف لا و هو
الذي استطاع أن يتحدى إسرائيل و رئيس وزرائها و يمسح به الأرض أمام الكاميرات و
يحقق "انجازا " تاريخيا و يقول لشيمون بيريز و أمام الملأ ردا على مجزرة غزة ..." الزم حدك" ثم ينسحب من الجلسة
كيف لا وهو الذي هدد إسرائيل بالعقاب إذا ما هي اعتدت على سفينة مرمرة
التركية المتوجهة إلى غزة "دائما في
إطار سيناريو صناعة سوبرمان المخلّص" , ثم يكرر تهديده لإسرائيل مرة أخرى بسوء المصير
...بعد أن اعتدت على سفينته و ذبحت له تسعا من مواطنيه ...
هكذا كان يُفكر كل من آمنوا بالأسطورة الأردوغانية الجديدة , رقصات إعلامية
تكفلت القنوات الخليجية بشيوخها و إعلامييها بتصويرها على أنها انجازات عظيمة و
فتوحات سماوية لرجل ليس كغيره من الرجال...و استطاعوا أن يلعبوا على الكثير من
العقول...
لم يتساءل أحد ممن أصيبوا بالسحر عن الغنائم التي جناها أردوغان لأمته الإسلامية
من كل رقصاته الفارغة و غزواته , فإسرائيل لم تعتذر له عن ضحاياه و العلاقات
الاقتصادية التركية الإسرائيلية تعيش أزهى أيامها منذ تلك الأحداث , لا يمر موسم
سياحي دون أن يزور أكثر من خمسين ألف سائح اسرائيلي على الأقل تركيا ...ان كان
هناك من "غنائم" فالذي جناها هم أسياده الذين صنعوه و جعلوا منه بطلا
...على "قفانا" !
من الصفر مشكل ...الى الصفر أمان
تركيا التي كانت معروفة منذ أتاتورك بعقيدتها السياسية الخارجية المبنية
على حسن الجوار أو ما يعرف بسياسة "الصفر مشاكل" , دخلت مع أردوغان عصرا
سياسيا جديدا ..." الصفر أصدقاء" .
من أبرز "انجازات" أردوغان في المنطقة , عداؤه المعلن و تآمره
على كل الدول الكبرى المجاورة له , هو الانتحار بعينه أن تستعدي دولا مثل إيران و
سوريا و العراق ,و روسيا ضربة واحدة و فقي وقت واحد !...لم تفعلها حتى
"صانعته" أمريكا...
و لكن ما سر هذا التهور ؟ هناك سببين , الأول هو أنه "مأمور" و
عليه دفع الثمن لمن صنعوه أوصلوه إلى هذه المنزلة "الرفيعة" !
أما السبب الثاني فيعود إلى خلفيته الفكرية الاخوانية و التي لا تعترف أصلا بفكرة الوطن , لا تهمه
الأخطار التي سيتعرض لها وطنه مستقبلا بسبب سياساته الانتحارية , فأقصى أماني
الاخواني هو الحصول على شرف و بركة تقبيل يد المرشد و هو جالس على العرش , و لا
يهم أين سيكون ذلك العرش !
المملكة العربية التركية ...
أمة و حضارة و دولة كبرى اسمها تركيا تحولت و بفضل سياسات أردوغان إلى ما
يشبه المشيخات الخليجية , مجرد مملكات تمارس أعمال مناولة نيابة عن صانعيها ,
أصبحت تركيا اليوم في سلة واحدة مع أقزام
الخليج العربي في سياستها , "حكمة" أردوغان حولت تركيا العلمانية إلى داعم لجماعات القاعدة تفتح لها أراضيها و
تسلحها و مرتعا للفكر الطائفي الوهابي المتخلف , لأول مرة منذ ثمانين سنة بدأنا
نسمع عن صراعات مذهبية بدأت تطفوا إلى السطح في المجتمع التركي نتيجة احتكاكه
بأصدقائه الجدد ...
محاولاته اليائسة لإسقاط النظام السوري جعلته يتبنى خطابا وهابيا طائفيا
مقيتا كالذي نراه على الفضائيات الخليجية , خطاب سيشكل خطرا أكبر على المجتمع
التركي المتعدد المذاهب و الأديان و الأعراق , وقد بدأت تظهر ملامح هذه الفتنة منذ
بضعة أسابيع بخروج مظاهرات طائفية في بلد علماني , الصدام سيكون عنيفا جدا .
المأزق ...
على أردوغان أن يقدم "كشف الحساب" لأسياده قريبا جدا , ويبدو أن
الأمور لا تسير كما خُطط له و قد طالت أكثر من اللزوم , و سيجعل "الصانعين" يفقدون ثقتهم
فيه و يرون أنه لم يُثبت جدارته رغم كل ما فعلوه من أجله و سيضطرون ربما إلى إيجاد حليف آخر أكثر فعالية
...
على أردوغان أن يتعامل من الآن فصاعدا مع ارتدادات الأزمة السورية على
المنطقة برمتها و على تركيا خاصة , عليه أن يجد المخرج من مشكل معسكرات الجماعات الإرهابية
التي يأويها على أراضيه و كميات السلاح الهائلة التي بين أيديها و التي لا أحد
يستطيع أن يتنبأ أين ستتجه مستقبلا , عليه أن يتعامل مع حزب العمال الكردستاني
الذي زادت نشاطاته و ترسانته و عمالياته داخل تركيا بصورة لافتة و الكل يعرف من
الذي يقوم بتسليحه , كما عليه أن يصبر
أمام استفزازات النظام السوري و القذائف التي صارت تسقط يوميا و "عفويا"
على الأراضي التركية و التي يمكنها أن تتحول إلى صواريخ سكود ستقضي على الاقتصاد
التركي الهش ...الإستراتيجية السورية تغيرت , و تريد أن تجعله يدفع الثمن حتى و إن
استلزم الأمر إدخاله في حرب لن يقوى اقتصاده و لا ديونه المتراكمة التي تهدده بالإفلاس
و ستُعرضه إلى موجة كبرى من المعارضة الشعبية التي أعلنت موقفها صراحة في مظاهرات
حاشدة في أكبر المدن التركية ضد سياسته العرجاء مع سوريا و كل جيران تركيا في
المنطقة .
مخاطر كثيرة ستعيشها تركيا مستقبلا و كلها بسبب هذا "السوبرمان" ,و
أردوغان في ورطة !
أنقذوا الجندي أردوغان ...
(كل الحقوق محفوظة)
bourikte
RépondreSupprimerمقال جميل جدا يا نايت لكن أرجو أن تعيد النظر في مسألة قضية حزب العمال الكردستاني
RépondreSupprimerالشعب الكردي هو من بين أكثر الشعوب التي ظُلمت على وجه التاريخ ، عندما تم تقسيم ممتكات الدولة العثمانية في سايكس بيكو ، قسمت بريطانيا و حلفاؤها التركة على أمراء العرب من أبناء هاشم و سعود و صباح من العرب و ضربت بعرض الحائط حق الشعب الكردي المضطهد من قبل كل الحكومات حاليا في سوريا العراق تركيا و ايران ، و بكل بساطة لأن الناتو و بريطانيا لم يكن لها مصلحة في هذا الشعب لأنه شعب أبي حر و لا يخنع و يرضخ بمجرد اسكاته بببرون أو مصاصة تلهيه مثل ما فعل أبناء فيصل و شلته عندما ساعدوا بريطانيا في طرد الاتراك من اراضيهم بمساعدة لورنس العرب باعتبارهم مستعمرين -اي الاتراك- لا النظر لهم كخلافة اسلامية في ارض الله ..
يوقول لك خلافة مسلوبة ، أو اعادة مجد الخلافة الاسلامية بعد أن حطمها المستعمر الغربي
يا لها من نكتة و يالغبائكم يا عرب يا جهلة و يا متخلفين
-ليو
أشكرك أخي على ملاحظاتك القيمة , أنا شخصيا لا أعترف بفكرة "الخلافة" لأنها أصلا خطيرة , لا أحد بامكانه أن يخلف الرسول الكريم الذي لم يكن سلطانا و لا حاكما , كان كأغلب الأنبياء يدعو الى الله , مضى و ترك رسالته بين الناس ككل الأنبياء , و من اعتقد بذلك فسيعطي نفس قداسة الرسول لمن سيخلفه ...و ستفتح أبواب جهنم
RépondreSupprimer