بقلم : نايت الصغير عبد
الرزاق
اهتمام إعلامي
كبير تعرفه كل القنوات التلفزيونية العالمية و على صفحات الجرائد و مواقع الانترنت
عن الأزمة في شمال مالي و تركيز كبير على الدور الجزائري و عن المفاوضات الدبلوماسية
و الزيارات المتتالية السرية و العلنية , الكل يحلل و يخمن على حسب توجهاته الإيديولوجية
أو توجهات القناة أو الصحيفة التي تدفع له أجره , كما أن أغلب التحليلات تفتقر
للحياد و العقلانية , فالتحليل الذي نجده على القنوات الخليجية يختلف عمّا نراه في
القنوات الغربية و الفرنسية خصوصا , وحتى التحليلات على قناتي العربية و الجزيرة ,
نجدها متناقضة تناقض مشاريع سلاطينهم للمنطقة , فالنظرة القطرية تختلف عن النظرة
السعودية و عن النظرة الفرنسية , أما الجزائريون فكعادتهم يكتفون بالسكوت و يفضلون
العمل في الكواليس و بهدوء ...
لكن ما سر هذا
الاهتمام الدولي الكبير بقضية مالي و بالموقف الجزائري خاصة من الأزمة ؟ هل
للجزائر حقا كل هذا الدور المحوري و كل هذا النفوذ في المنطقة ؟ و هل هي محاولة لتحييد الجزائر أو إغراقها ؟
قبل أن نمضي في
تحليلنا , علينا أن نعود إلى الوراء قليلا و بداية ما يسمى "الثورة" في
ليبيا و معارضة الجزائر للتدخل الأجنبي و التي كلفتها حملة إعلامية شرسة من بعض
هواة السياسة و محللي الفضائيات المأجورون و معارضي الصالونات في لندن و اتهامهم
لها بدعم القذافي بالسلاح و المرتزقة و
خوفها من انتقال عدوى ما يسمونه "بالربيع" إليها ...
نتذكر كلنا اليوم
تحذيرات الدبلوماسيين الجزائريين من تبعات فوضى السلاح في المنطقة نتيجة لحرب
ليبيا و ضرورة العمل على الحد منه و عن خطر انتقال هذا الكم الهائل من السلاح إلى
أيدي الجماعات الإرهابية التي أصبحت الآمر الناهي في ليبيا و تحت تغطية طائرات
الناتو ! ...أثبتت الأحداث اليوم صدق التخوفات الجزائرية و
كذب قصة المرتزقة
ليست تلك
التحليلات السطحية و المثيرة للسخرية في
الكثير من الأحيان على بعض الفضائيات هي من ستشرح و تشرّح ما يحدث الآن في شمال
مالي , الأمور معقدة و متداخلة لدرجة مرهقة للعقل , لا يمكن لمن لا يتحكم في أصول
و تاريخ صراعات النفوذ و الهيمنة للّاعبين الرئيسيين في المنطقة أن يفهم , صراعات يمكن اختصارها في معادلة
رياضية متعددة "المجاهيل" , لا يمكن فهمها و فكها إلا بمعرفة كل "مجاهيليها"
...
أول خطوة هي أننا
سنحاول الابتعاد عن اللغة الدبلوماسية , و سنسمي الأشياء بمسمياتها , فما يحدث على
أرض الواقع بعيد جدا عن تلك التصريحات الهادئة و المجاملات بين السياسيين التي
نسمعها على الفضائيات , الحقيقة أن حربا استخباراتية و صراعات نفوذ تحدث الآن في
منطقة الساحل , حرب شرسة و قذرة و كل الضربات فيها مسموح بها , ضربات من تحت الحزام أحيانا و في الظهر
أحيانا كثيرة ...فلا تصدقوا ما تسمعون !
أول شيء يجب
معرفته أن هناك مخططا من القاعدة ( و حلفائها المعروفين ) لخلق نوع من الطوق في
دول الساحل يبدأ من الصومال بما يسمى حركة الشباب وصولا إلى نيجيريا عبر جماعة
"بوكو حرام" و مرورا بمالي التي أصبحت مرتعا لعصابات القاعدة منذ سنوات
, باستثناء النيجر التي يجب أن تبقى بعيدة عن "الطوق" و ذلك لسبب
بسيط ...اليورانيوم الذي تحتاجه فرنسا و
شركاتها يأتي من هناك ! , المخطط يسير على
أحسن ما يرام لحد الآن و الهدف المستقبلي هو خلق نوع من "التواصل" بين
كل هاته الجماعات و توحيدها و خلق قيادة مشتركة لها لخدمة أسيادها باسم الإسلام
الوهابي كعادتها في كل منابع النفط و الغاز و اليورانيوم ...
و لكن هناك لاعب
آخر متمرس في شؤون الجماعات الإرهابية و يعرف جيدا التعامل معها و يملك من
المعلومات الاستخبارية عنها ما لا يملكه أي لاعب آخر و لديه من الإمكانيات و
النفوذ ما يجعله يستطيع أن يقف عائقا أمام كل مخطط لا يأخذ مصالحه في عين الاعتبار
و لديه أيضا حلفاءه حتى في مجلس الأمن إن استلزم الأمر...إنها الجزائر , و هذا ما
يفسر هذا التركيز الإعلامي و الدبلوماسي الكبير على الجزائر , هم في الحقيقة
يحاولون تحييد النفوذ الجزائري في المنطقة و ليس تدخلها ...على عكس ما يعلنون
علينا أيضا أن
نعرف طبيعة القوى النافذة في المنطقة , فهناك فرنسا و حليفها النظام المغربي من
جهة , و الجزائر التي تستعمل بعض التحالفات الظرفية في كل مرة من جهة أخرى , مع
ظهور الولايات المتحدة و محاولتها مزاحمة فرنسا صاحبة "الحق" التاريخي و
وضع موطئ قدم لها في المنطقة عبر الجزائر التي ترى في ذلك فرصة لإضعاف النفوذ
الفرنسي , لا ننسى أيضا قطر و السعودية التي يقتصر دورهما على تمويل الجماعات
الوهابية و إصدار الفتاوى كلما طُلب منهما ذلك .
لنفهم أكثر ,
علينا أن نعرف نوعية و طبيعة و انتماءات و ولاءات الجماعات المسلحة المتواجدة الآن
في مالي و التي سنذكر أبرزها و هي
1-
جبهة تحرير الأزواد : و هي حركة وطنية ذات
جذور تاريخية تعود إلى الستينات من القرن الماضي , تهدف إلى استقلال منطقة الأزواد
موطن الطوارق عن مالي, علمانية التوجه و لا علاقة لها بالفكر الإرهابي و علاقاتها
جيدة مع الجزائر تعاون يصل لدرجة التحالف في كثير من الأمور.
2-
حركة أنصار الدين : و هي جماعة إسلامية
التوجه من الطوارق , معروف عنها قربها من النظام الجزائري و يرى فيها الكثير أنها
صنيعة للمخابرات الجزائرية أو على الأقل فهي مخترقة من الجزائريين , فكل مواقفها
تكاد تكون متطابقة مع مواقف النظام الجزائري و خاصة في الفترة الأخيرة
3-
حركة التوحيد و الجهاد لغرب إفريقيا (MUJAO) : حركة وهابية أعلنت
انتماءها للقاعدة صراحة , ظهرت فجأة و معروف عنها أنها صنيعة النظام المغربي و
حليفته فرنسا و الدليل على ذلك أن أول عملية نفذتها كانت عملية اختطاف لموظفين من
الصليب الأحمر الدولي في ...مخيمات الصحراء الغربية ! هذه الحركة هدفها
الوحيد هو خلق نوع من التوازن أمام النفوذ الجزائري المتزايد عبر حليفيه في
المنطقة حركة الأزواد و أنصار الدين و
نقطة قوة حركة التوحيد و الجهاد هي الأموال التي تتدفق عليها من الأنظمة الخليجية و فتحها و تأمينها لطرق تهريب الحشيش و المخدرات
المغربية .
4-
القاعدة في المغرب الإسلامي و هي أقدم
الجماعات المنتمية للقاعدة و هي في الأصل جماعة "جزائرية" و مخترقة من
الجزائريين أيضا و يمكنها تحريك بعض خيوطها فيها إذا لزم الأمر .
نظرة بسيطة على مختلف الجماعات التي ذكرناها تجعلنا
نلاحظ "تفوقا" جزائريا ملموسا في المنطقة و أن لا شيء يمكن فعله دون
العودة إلى الجزائر , و السبب يعود أولا إلى الخبرة الميدانية في مكافحة الإرهاب
التي اكتسبها الجيش الجزائري في محاربة الإرهاب
عسكريا و استخباراتيا و كمية المعلومات الهائلة التي يمتلكونها عن أدق
تفاصيل هذه الجماعات, بالإضافة إلى معرفة الدبلوماسيين الجزائريين التامة لمشكلة
طوارق الأزواد و تعاملهم معها منذ عقود .
ما يفعله النظام الجزائري حاليا هو أنه يريد أن يتم
تحييد حليفيه في المنطقة حفاظا على مصالحه و أمنه و أن يتم التدخل عسكريا فقط ضد
حركة التوحيد و الجهاد التي يرى فيها صناعة مغربية , و هذا ما تحاول فرنسا تفاديه
بالتنسيق مع المغرب لأن ذلك يعني إضعافا للنفوذ الفرنسي و نهاية لطرق تهريب
المخدرات المغربية عبر الساحل و زعزعة استقرار الجزائر و تشتيت انتباهها عن قضية
الصحراء الغربية
النظام الجزائري بادر أيضا و في رسالة
"اقتصادية" واضحة بالضغط على جاره المغربي عبر الرقابة الشديدة و غير
المسبوقة في تاريخ البلاد على الحدود بين البلدين و كميات المخدرات الأسطورية التي
تمت مصادرتها منذ بداية...أزمة مالي , لتضييق الخناق على مصدر مهم في اقتصاد
المغرب ما جعل العاهل المغربي يقضي على غير عادته أكثر من أسبوع خارج البلد في
زيارة لبلدان الخليج لطلب مساعدات اقتصادية و "أمنية" , فبعد التضييق
الأوروبي ثم التضييق الجزائري على "الصادرات" المغربية لم يبقى أمامه من
طرق لتصدير "البضاعة" الا طريق ...الساحل ! و أحسن سيناريو
هو أن تعم الفوضى منطقة الساحل عبر ذلك التداخل و التكامل المعروف بين الارهاب و
المخدرات و تهريب السلاح ...
النظامان في المغرب و فرنسا ينظران أيضا بعين الاستحسان
لأكثر من 30 ألف جندي جزائري وهم ينتقلون إلى
الجنوب الجزائري لتأمين الحدود مع مالي و يتمنيان أن تزيد أعدادهم أكثر فأكثر على
الجبهة المالية في حالة نشوب حرب و أن ينقص تركيزهم على حدودهم الغربية .
باختصار فرنسا و المغرب يرغبان في حرب شاملة في شمال
مالي , كما أنهما يدفعان بكل قوتهما لجرّ الجزائر للمشاركة في هذه الحرب للأسباب التي ذكرناها سابقا , و من
"الصدف" أن الذي تكفل بتقديم و دعم المقترح الفرنسي في مجلس الأمن
للتدخل في شمال مالي هو ممثل المملكة
المغربية.
الطرف الأمريكي و ببراغماتيته المعهودة , لم يعلن عن
موقف واضح لحد الآن و هو لا يريد أن يخسر أي حليف له في المنطقة , أضف إلى ذلك انشغال الإدارة الأمريكية
الحالية بالانتخابات الرئاسية و لا أحد
يمكنه التنبؤ بما سيقرره الأمريكان في حال وصول إدارة جديدة يحكمها الجمهوريون و
حتى لو بقي الديمقراطيون فكلينتون ستغادر و ستترك مكانها لوزير خارجية جديد , أما الفرنسيون فهم مقتنعون بأن لا شيء يمكن
فعله في المنطقة دون الجزائريين و قد أعلن ذلك صراحة الرئيس السابق ساركوزي عندما
قال أن الجزائر هي من يمتلك أغلب مفاتيح مشكلة شمال مالي.
الأمور ستتضح أكثر مع نهاية الانتخابات الرئاسية
الأمريكية و زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة إلى الجزائر.
الشيء الذي يجب الانتباه إليه أيضا , أن للجزائر أوراق
قوية يمكنها تحريكها أيضا على الأرض , فبالإضافة إلى "جماعاتها" في شمال
مالي و التي تستطيع بها التشويش على أي مخطط , هناك شيء ربما يتناساه البعض و هي
معاهدة التعاون و الدفاع الاستراتيجي الجزائرية الروسية, دون أن ننسى العلاقات
الاقتصادية القوية جدا مع الصين التي صارت تحتكر السوق الجزائرية في مجال البناء و
الطرق و المنشآت الضخمة , أمور ستجعل أي محاولة تهديد أو ضغط على النظام الجزائري
غير مفيدة , لأن تعقيد الأمور أكثر سيؤدي الى مجلس الأمن و فيتو الحليفين الروسي و
الصيني.
الأكيد أنه مهما كان موقف الجزائر فهو لن يحيد عن
العقيدة السياسية و العسكرية التي تتبعها الجزائر منذ استقلالها و المبنية على عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالإضافة إلى تجنب الدخول في صراعات عسكرية خارجية , يعني
أنه يستحيل أن يطأ جندي أجنبي واحد أرض الجزائر مهما كلف الثمن , كما أنه يستحيل
أن يتخطى جندي جزائري حدود بلده ليحارب
خارجها , أما باقي الأمور فيمكن التفاوض عليها و هذا ما جاءت من أجله كلينتون و
ليس لإعطاء الأوامر كما يتحدث بعض هواة تحليلات المقاهي .
أحد المحللين السياسيين الأمريكان اختصر السياسة
الخارجية للجزائر في ما يسمى نظرية "القلعة" و التي تعتمد أساسا على
الابتعاد عن الصراعات الخارجية قدر المستطاع , و العمل على تحصين القدرات الداخلية
و الدفاعية و الاكتفاء بتحريك الخيوط من بعيد ...و يبدو أنه أحسن وصف للسياسة
الخارجية و الدفاعية الجزائرية.
بقلم : نايت الصغير عبد
الرزاق
(كل الحقوق محفوظة)
...احسنت اخي نايت...تحليل اكقر من واقعي بادق التفاصيل و المعطيات ....بتحليلك هذا اعطيت صفعة قويه لمحللي الكرتون و جلسات دق الحنك............برافو .........يعطيك الصحة
RépondreSupprimerربيع العمري
Supprimerje fais canfiance total a nos politicien algerien ... hmd et rabi m3ahom
RépondreSupprimerheureusement
RépondreSupprimerUne analyse complète !!.. ds réponses convaincantes à de nombreuses questions !!!
RépondreSupprimeret votre conclusion est trés rassurante !
On attend la suite aprés les elections Américaines !!???!!..
Un GRAND merci ! et bon courage !
Merci ! restez fideles au blog et vous aurez les meilleures des analyses , n'oubliez pas d'inviter vos amis et de partager
RépondreSupprimerتحليل منطقي مفصل في اغلب النقاط اعجبني كثيرا. و لكنة يفتقر الى الشمولية لانك لم تدكر دور الحكومة المالية مع علاقاتها و الدول المجاورة خاصة بوركينا فاسو التي لديها خقد قديم نتيجة الحروب السابقة معها حول خلاف الخدود.
RépondreSupprimerune analyse correcte , je pense toute fois que la Libye avait un rôle très important à jouer dans cette zone; l’Algérie profite du chaos qui règne dans ce pays pour s'accaparer la part du clan kadafi .
RépondreSupprimer