سبق لنا و في مقالات سابقة أن تحدثنا عن أوجه التشابه العديدة بين الحالتين الجزائرية فيما يسمى العشرية السوداء و الأزمة السورية , و شرحنا بالتفصيل الهجمة الإرهابية العالمية المتعددة الجنسيات التي تعرض لها البلدان تحت غطاء ما سموه الثورات و حرية الشعوب و كيف تم استغلال هذه الحقوق من قبل قوى ظلامية رجعية لم تكتشف شعوبها بعد معنى كلمة "الانتخاب" و نساؤها لا زلن يحلمن بقيادة السيارة و بالذهاب للتبضع بدون الحاجة إلى ...محرم !
فاقد الشيء ...يعطيه !
القاعدة تقول أن "فاقد الشيء لا يعطيه" , و لكن في زمن الردة و الدجل الذي تعيشه مجتمعاتنا انقلبت كل المفاهيم , و صار الشيطان يخطب في الناس الفضيلة و الكارثة أن "قطعانا" واسعة من المجتمع صدقوا الكذبة.. !
ألم يتساءل أي منهم يوما عن سر هذا الحنان و الكرم المفاجئ الذي ظهر على مشيخات لورنس و استماتتهم في الدفاع عن "حقوق" السوريين , ثم عن أي حقوق يتحدثون ؟ مهما كانت درجة "استبداد" النظام السوري فهي لن تصل و لو جزءا من المليون لدرجة التخلف الفكري و الاجتماعي الذي تعيشه مجتمعات الأنظمة الإقطاعية القروسطوية الخليجية ؟
النظام السوري و ككل أنظمة العالم الثالث , يعاني من نقائص و يحتاج الى إصلاحات عميقة , و لكن لا أحد ينكر المجالات الفكرية و الإبداعية الواسعة التي يتمتع بها المجتمع السوري , أرقى أنواع الأدب و الشعر و الفن و الدراما في العالم العربي تنتجها سوريا , فأين هو الاستبداد؟ , إذا قارناه بما يحدث في مجتمعات المشيخات الرجعية الاقطاعية الخليجية التي تحولت إلى "قلاع للثوار" بقدرة قادر ؟
أتساءل في كثير من الأحيان عن العمى الذي أصيب به الكثير من المثقفين و "المفكرين" العرب و هم يضعون أيديهم بيد الرجعية و الظلامية الأعرابية لتساعدهم على التحرر و "الإبداع" ؟؟ هل وقعوا تحت تأثير الدعاية الإعلامية أم هو تأثير الدولار و اليورو على العقول ؟ ألا يعرفون أن أول من ستنصب لهم المشانق هم المفكرون و الأدباء و الفنانون إذا سقط النظام في سوريا ؟ أم أنهم قد ضمنوا لأنفسهم اقامات فاخرة في باريس و أنقرة بفضل سخاء شيوخ البترودولار تجعلهم لا يهتمون بما سيحدث …و ليكن الطوفان من بعدهم !
هل مازال هناك من عاقل على وجه الأرض يصدق أن آل سعود و القطريين يصرفون كل هذه الملايير من الدولارات لأجل سواد عيون السوريين , هل تصدقون أنه "لا قدّر الله" مباشرة بعد سقوط النظام الجمهوري في سوريا "و هذا هو الهدف الحقيقي و ليس نظام الأسد" سينعم السوريون بأحلى ديمقراطية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا تحت رعاية مشيخات الخليج و بحماية جماعات القاعدة الإرهابية ؟
ألم يتساءل أحد عن سر هذه الاستماتة و الصلابة التي أظهرها النظام السوري و هو يتعرض لأكبر هجمة إرهابية عالمية في التاريخ ؟ تعلمنا من التاريخ أن الثورات الشعبية الحقيقية لا تحتاج إلا لبضعة أسابيع أو أشهر لتُسقط أي نظام مستبد مهما كانت قوته , و أن الشعوب إذا انتفضت , لا يمكن لأي قوة في العالم أن توقفها , و لكن لماذا لم يحدث ذلك و لا يبدو أنه سيحدث في سوريا بعد الضربات الموجعة التي يتلقاها الإرهابيون بعد كل "ساعة صفر" ...ألا يعني ذلك أن النظام السوري لا زال يتمتع بتأييد قطاعات واسعة من المجتمع و أن ما يسمى "ثورة" ليس في الحقيقة إلا مجرد حركات تمرد انفصالية طائفية مدعومة من الخارج تم تضخيمها ماليا و إعلاميا لأغراض انتقامية عند الأعراب و جيوستراتيجية بالنسبة للقوى الغربية ؟ ...ثم ما قصة هذه "الثورة الشعبية" التي لم تعد قادرة على مواصلة "ثورتها" و اضطرت للاستعانة بالآلاف من "المجاهدين" المتعددي الجنسية و المرتزقة "لتثور"...مكانها ؟ في بلد يتعدى تعداد سكانه ال 23 مليون , لم يستطيعوا جمع بضعة آلاف من "الثوار" ليصبح تعداد المرتزقة متعددي الجنسية أكبر من "الثوار" السوريين ؟؟... هناك خلل ما !
ليلة سقوط ..."سقوط دمشق"
لنعد إلى الميدان الآن ...و قصة "ساعة الصفر" و سقوط دمشق , السيناريو كان جاهزا , فقد تم تطبيقه من قبل في طرابلس الغرب , تسلل جماعات إرهابية متعددة الجنسيات إلى أحياء دمشق , ترويع السكان بإطلاق النار عشوائيا ...و الباقي ستتكفل به الجزيرة و العربية بإعلان سقوط العاصمة و البركة في "شهود العيان" و الفيديوهات ...
و لكن كان هناك مشكل , في الحالة السورية لا وجود للتغطية الجوية الأطلسية و القنابل الفوسفورية التي أحلها القرضاوي في ليبيا , و التي كانت السبب الحقيقي لسقوط طرابلس وعمليات الإنزال الجوية للفرق الخاصة الفرنسية و البريطانية لفتح الطريق "للمجاهدين" ليأخذوا صورا أمام كاميرات الجزيرة و العربية ...حاولوا بكل الطرق استصدار قرار في مجلس الأمن و ضغطوا على روسيا و الصين ضغطا رهيبا وصل حتى تهديدهما بأنهما ستدفعان الثمن , ثم و كالعادة مجزرة جديدة تعودنا عليها عشية كل اجتماع لاستعطاف الرأي العام العالمي الذي بدأ ينتبه لخيوط المؤامرة على سوريا , ثم عملية اغتيال استعراضية و استخباراتية لوزير الدفاع السوري لزعزعة النظام من الداخل و خلق انشقاقات كبرى في حالة عدم التمكن من استصدار قرارا من مجلس الأمن ...و لم يحدث شيئا من هذا !
سرعة رد فعل النظام السوري و تعويضه لوزير الدفاع بعد بضع ساعات فقط و كأن شيئا لم يكن , ثم تأتي الضربة القاصمة من مجلس الأمن و الفيتو الروسي-الصيني ..و ينهار السيناريو "الليبي" ...
مأزق كبير وجدوا فيه أنفسهم , فهل سيعودون أدراجهم و يؤجلوا "ساعة الصفر" الموعودة و تكون الفضيحة , أم سيواصلون و يرسلوا مرتزقتهم إلى كارثة ...
المعروف عن الأمريكي و الغرب عموما أنه لا يهمه حجم الخسائر في أي صراع كان إذا كان من سيموت و من سيدفع التكاليف... أعرابيا , وخاصة في حالة الجماعات "الجهادية" التي أثبتت عبر التاريخ أنها تعشق الموت و "الشهادة" خدمة للعم سام...وهم يكبرون !
فكان القرار أن يغامروا و يرسلوا زبانيتهم إلى المحرقة في دمشق...لعل و عسى تحدث المعجزة , و باستعمال نظرية "و مالوا ؟ " القرضاوية... ليجدوا في مواجهتهم جيشا عقائديا شرسا ليس كميلشيات القذافي الغارقة في الفوضى , لن ندخل في التفاصيل و لكن يكفي فقط التذكير بنتيجة معركة دمشق... أكثر من خمسة آلاف ضحية في صفوف الجماعات المسلحة...أغلبهم من الأجانب !
الأمور الآن أصبحت واضحة , هو صراع بين مشروعين , مشروع وهابي اخواني ظلامي تدعمه مشيخات الخليج , و آخر وطني يدافع عن وطن وعن قيم حضارية متوغلة في أعماق التاريخ , ولا وجود لطريق ثالث في الأفق حاليا , نظام بشار الأسد و رغم كل أخطائه و نقائصه أصبح الآن على عاتقه مهمة ثقيلة و تاريخية , حماية الحضارة و التاريخ من هجمة "المغول" الجدد و هو يبلي بلاءا حسنا لحد الآن ... !
أتساءل أيضا , كيف سيكون مصير هذه الجماعات المسلحة إذا توقف الدعم الخليجي و التركي عنها ؟ الأكيد أنهم لن يتمكنوا من الصمود و سيرمون أسلحتهم و سيبحثون عن بؤرة "جهادية" في مكان آخر و "ممول" جديد , و هذا هو حال المرتزقة , المهم أن تدفع !
معركة حلب ...أو "ساعة الصفر" الجديدة !
"قرفونا" بقصص "ساعة الصفر" و الحسم في كل مرة ...فمنذ بابا عمرو إلى دمشق ثم الآن حلب و قنوات الجزيرة و العربية تتحدث عن قرب سقوط النظام و أن "الحسم" قادم ...و الضربات القاصمة و الانسحابات "التكتيكية" تتوالى !
بعد "محرقة" دمشق , وصل عرابوا العدوان على سوريا إلى العديد من القناعات , أولها أنه يستحيل إسقاط النظام السوري عسكريا , و الحل الوحيد هو استنزاف الأمة السورية اقتصاديا و أمنيا و البداية ستكون بالعاصمة الاقتصادية ...حلب !
و تُعطى الأوامر للجماعات المسلحة بالتوجه إلى حلب لممارسة "جهادها" في تحطيم الاقتصاد السوري و تخريب كل ما يمكن تخريبه , لا يهم إن حدثت محرقة جديدة في صفوفهم "و ستحدث" بما أنهم يعشقون الشهادة فداءا ...لأمريكا كعادتهم !
معركة حلب ستطول هذه المرة نظرا لموقعها الجغرافي و قربها من الحدود التركية و حكومة أردوغان الذي سيتكفل بإدخال آلاف "الجهاديين" ألمتعددي الجنسية بعد كل محرقة أو انسحاب "تكتيكي"...حتى يتم استنفاذهم !
مهما طالت معركة حلب فالنتيجة محسومة بين جيش عقائدي شرس يدافع عن وطنه و جماعات مرتزقة لا هدف لها إلا جمع الأموال ...و هنا يكمن الفرق !
و ماذا بعد ؟
بالعودة إلى الحالة الجزائرية في التسعينات من القرن الماضي و التي تعرضت لنفس الهجمة "الجهادية" الإرهابية العالمية و استطاعت القضاء عليها , فإننا ندعو السوريين إلى الأخذ بالتجربة الجزائرية في محاربة الإرهاب و التي أصبحت مثالا يُقتدى به و يُدرّس في معاهد أمنية عالمية .
أول شيء يجب معرفته هو أن هذا النوع من الجماعات الإرهابية تتبع نفس الطرق و التحولات في منهجها "الجهادي" , تبدأ أولا باختراق انتفاضات بسيطة للشعوب , ثم تركب عليها و تحاول أن تصل للسلطة "بالتي هي أحسن" إن أمكن ذلك كما حدث في مصر و تونس لنشر فكرها الظلامي و العودة بالشعوب إلى ما قبل التاريخ ..
و في حالة عدم تمكنها من الوصول للسلطة سلميا ستنفض الغبار عن فتاويها التكفيرية الدموية التيمية و القطبية في تكفير الحكام أولا ثم تكفير عامة الشعب و تحليل دمائه و ستبدأ باللعب على الوتر الطائفي كما في الحالة السورية .
ما يميز هذه الجماعات أيضا أنها ترتكب نفس الخطأ القاتل كل مرة بدخولها في صدام مع المجتمع و هنا يحدث التحول و الشرخ مع شبكات الدعم و سيتبرأ منهم كل من كان يتعاطف معهم و سيضطر المواطنون لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم و أعراضهم من جماعات لا ترى فيهم إلا كفارا و سبايا ...
أول خطوة على الحكومة السورية فعلها هي إعلان حالة الطوارئ فالوطن في حالة حرب تقودها العديد من الدول , ثم إنشاء قوانين و محاكم خاصة بمحاربة الإرهاب .
هناك عامل آخر مهم جدا , الحرب الاستخباراتية و محاولة اختراق هذه الجماعات لتفجيرها من الداخل و جعلها تتقاتل فيما بينها و هذا ما نجحت فيه المخابرات الجزائرية التي استطاعت إبادة جماعات بأكملها و بأسلحتها !
الحرب الاستخباراتية يجب أن تشمل أيضا تفكيك شبكات الدعم اللوجيستي و المعلوماتي في الأوساط الشعبية لهذه الجماعات و التي بدونها ستختنق و ستجد صعوبات كبيرة في تنفيذ عملياتها .
العامل المهم الآخر , هو تكوين ميليشيات شعبية للدفاع الذاتي و محاربة و ملاحقة الإرهاب و التي أثبتت فعاليتها في الحالة الجزائرية.
سيكون لنا مقال آخر عن إستراتيجية الحرب على الإرهاب بالنظر إلى العديد من التجارب العالمية و سنتحدث فيه بالتفصيل .
الأكيد أن الحرب على الإرهاب في سوريا ستكون طويلة و شرسة و المؤكد أن الانتصار سيكون حتما للشعب السوري كما انتصر الجزائريون.
بقلم :نايت الصغير عبد الرزاق
(كل الحقوق محفوظة)
مواقع شهيرة نشرت المقال
جريدة التقدمية
موقع Syria Now
وكالة جهينة نيوز الاخبارية
يتبع...
مشكور على المقال, هناك فرق بين الارهاب في الجزائر كان يفتقد للدعم الاعلامي و الخارجي هدا ما يصعب الامور في سوريا.
RépondreSupprimer