بقلم : نايت الصغير
عبد الرزاق
و عادت حليمة إلى عادتها القديمة !
و قصة الانتظار الطويل لتشكيل الحكومة, و كأنه قد أصبح علامة مسجلة و تقليدا جزائريا
خالصا بعد كل انتخابات...
أربعة أشهر و الجزائريون في انتظار المولود الجديد الموعود , مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية لشهر ماي 2012 بدأت التكهنات و التخمينات عن شكل و مضمون الحكومة القادمة , بين متفائل و متشائم و محايد , اختلفت الآراء و تعددت , فيهم من قال أن دماء جديدة سيتم ضخها و أن تغييرا جذريا سيحدث قريبا و أن قول الرئيس بأنه قد "طاب جنانو" * و دعوته لأقرانه بأن يعترفوا بأنه قد "طاب جنانهم " أيضا و يفهموا أنفسهم و ينسحبوا من الحياة السياسية "بالتي هي أحسن" و يتركوا الفرصة للجيل الجديد لخير دليل على نوايا الرئيس الحكومية في التغيير , أما المتشائمون فيقولون أن من "شبّ على شيء , شاب عليه" و أن "ديناصورات" النظام في الجزائر لن ينسحبوا بالسهولة التي ينتظرها البعض , حتى و لو أراد ذلك الرئيس فلن يستطيع عليهم و أن على الشعب أن يدفعهم للرحيل طوعا أو كرها , "متسلحين" في ذلك بالظروف الدولية المواتية و استعداد رموز "الربيع" الجدد كهنري ليفي الذي دعي إلى ذلك علانية و أمير قطر الذي لن يدخر جهدا و لا مالا "لمساعدتنا" على التحرر و دخول الديمقراطية من بابها الخليجي الواسع ....
أربعة أشهر و الجزائريون في انتظار المولود الجديد الموعود , مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية لشهر ماي 2012 بدأت التكهنات و التخمينات عن شكل و مضمون الحكومة القادمة , بين متفائل و متشائم و محايد , اختلفت الآراء و تعددت , فيهم من قال أن دماء جديدة سيتم ضخها و أن تغييرا جذريا سيحدث قريبا و أن قول الرئيس بأنه قد "طاب جنانو" * و دعوته لأقرانه بأن يعترفوا بأنه قد "طاب جنانهم " أيضا و يفهموا أنفسهم و ينسحبوا من الحياة السياسية "بالتي هي أحسن" و يتركوا الفرصة للجيل الجديد لخير دليل على نوايا الرئيس الحكومية في التغيير , أما المتشائمون فيقولون أن من "شبّ على شيء , شاب عليه" و أن "ديناصورات" النظام في الجزائر لن ينسحبوا بالسهولة التي ينتظرها البعض , حتى و لو أراد ذلك الرئيس فلن يستطيع عليهم و أن على الشعب أن يدفعهم للرحيل طوعا أو كرها , "متسلحين" في ذلك بالظروف الدولية المواتية و استعداد رموز "الربيع" الجدد كهنري ليفي الذي دعي إلى ذلك علانية و أمير قطر الذي لن يدخر جهدا و لا مالا "لمساعدتنا" على التحرر و دخول الديمقراطية من بابها الخليجي الواسع ....
هكذا كانت أغلب النقاشات في الأيام الأولى لما بعد الانتخابات , و لكن لا
أحد انتبه لمشكل آخر لا يقل تعقيدا عن غيره ...و لكن متى سيتم الإعلان عن الحكومة
؟ التي يبدو أن أمرها قد طال و سيطول...لن نحاول الإجابة عن هذا السؤال , بل
سنحاول فهم سر هذه العادة الغريبة للنظام الجزائري , لماذا هذا التأخير في إعلان
الحكومات ؟
لمعرفة الإجابة علينا أولا أن نفهم طبيعة النظام الجزائري و تركيبته
الظاهرة و المخفية و هياكله و أجهزته و شخصياته النافذة , الأمور معقدة جدا , ليس
فقط بسبب ما يحدث في النظام و لكن أيضا بسبب تركيبة المجتمع الجزائري و تعدد
توجهاته و ثقافاته و أعراقه , بالإضافة إلى الظروف و الضغوطات و التحولات الخارجية
و التي ازدادت حدّة هذه السنة و الأسباب معروفة .
بالنظر الى مجتمعات أخرى قريبة , يمكننا و بسهولة أن نُجزم بأن حكم
الجزائريين ليس بالأمر الهين , ففي الوقت الذي اكتشفت فيه بعض الشعوب العربية منذ
بضعة أشهر فقط معنى الخروج إلى الشارع و قطع الطرق للاحتجاج , في الجزائر هذا
يعتبر تقليدا و "ثقافة" منذ الاستقلال , حتى و إن لم يعرف الجزائريون
"الربيع العربي" , إلا أن الإحصائيات تُظهر أن نسبة الاضطرابات
الاجتماعية و النقابية و الإضرابات و قطع الطرق للاحتجاج في الجزائر أعلى بكثير جدا من دول
"الربيع" , و منذ سنوات طويلة قبل الربيع , فعكس ما يظنه البعض فالمجتمع
الجزائري في حركية دائمة و سريعة ...تُدوخ أي نظام في العالم و تجعله في قلق دائم
فلا يمكنه أن يتنبأ بتصرفات المجتمع الذي يمكنه أن ينفجر بعد هدوء و يمكنه أن يهدأ
فجأة بعد اضطرابات كانت تنبئ بثورة عارمة ...
أشهر انتفاضات الشعب الجزائري ضد النظام جاءت بعد هدوء كاذب ليحدث الانفجار
فجأة كما حدث سنة 1981 في منطقة القبائل ثم مرة أخرى سنة 2001 بالإضافة إلى
انتفاضة أكتوبر 1988 , و في الوقت الذي كان الجميع ينتظر ثورة في زمن "الربيع
العربي" , قرر الجزائريون ...أن يهدؤوا !
الغموض السوفياتي ...
أهم ما يميز النظام الجزائري , سياسة الغموض التي تحيط به أو التي يحيط بها
نفسه , يرى البعض أنها نتيجة للعلاقات السياسية و العسكرية و الأمنية التي كانت
تجمع بين النظام الجزائري و الاتحاد السوفياتي سابقا و دول المعسكر الشرقي عموما ,
أغلب إطارات الدولة الجزائرية تلقوا تكوينهم و في جميع المجالات "الأمنية و
العسكرية خاصة" في الإتحاد السوفياتي , جعلت أغلبهم يتأثرون بالطريقة
السوفياتية في تسيير أمور الدولة و
المعروفة بغموضها و سريتها و تركيزها على الجانب المخابراتي و الأمني و العسكري و
جعله العمود الفقري للدولة.
كمثال على ذلك , أقوى و أشهر جهاز في الدولة ال DRS...غير
موجود رسميا , فرغم أنه حديث العام و الخاص و متواجد في كل مكان , إلا أنه لم يسبق
لنا أن سمعنا ذكره في خطاب حكومي و لا على أي قناة أو جريدة رسمية ...
جهاز ال DRS
أو " مديرية الاستخبارات و الأمن" , كان يسمى سابقا S.M
"الأمن العسكري" , هو جهاز المخابرات الجزائري المعروف و المتأثر بصورة
كبيرة بجهاز ال KGB الروسي سابقا , نظرا لتكوين معظم ضباطه في
الاتحاد السوفياتي , يُقال عنه أنه أقوى جهاز في الدولة و هو الآمر الناهي في
سياسة البلاد رغم أننا نرى أن هناك مبالغة في هذا الموضوع من البعض , لكن الأكيد
أن لهذا الجهاز "الغامض" كلمته في إعلان و اختيار الحكومات في الجزائر .
أشهر شخصية في الجزائر , الجنرال توفيق مدير المخابرات أيضا شخصية غامضة جدا و غير موجود "رسميا" , لا توجد إلا صورة واحدة له لا غير ! التقطها له جهاز مخابرات خارجي و الأكيد أن له رأيه في تشكيلة الحكومة حتى أن البعض يقول أنه هو من يختارها ! ...
توازنات... !
من أحد أهم أسباب ظاهرة التأخر في إعلان الحكومات , تعقيدات و توازنات
اجتماعية و سياسية و ثقافية يجب الحفاظ عليها حتى لا تُقطع شعرة معاوية بين مختلف
أطياف المجتمع و النظام , نوع من "العقود" و التفاهمات و التنازلات يجب
أن تحدث كل مرة , فيها المتغير و فيها الثابت ...
التوازن الجهوي هو أحد ركائز هذا النظام , و عندما نتحدث عن توازن فذلك لا
يعني أن هناك نوع من سياسة "الكوطات" عن كل جهة من جهات الوطن , و لكن
هناك نوع من الثوابت أصبحت تقليدا , فرئيس الحكومة مثلا يجب أن يكون من منطقة
القبائل أو الشرق الجزائري , وزارة الثقافة أصبحت قبائلية بحتة منذ سنين, و منذ
مجيء الرئيس بوتفليقة ظهر
"توازن" جديد بدخول جماعة الغرب الجزائري و خاصة منطقة تلمسان إلى أجهزة
السلطة , فأصبح أيضا من "الثوابت" أن يكون وزير الخارجية و الطاقة و
المالية من تلك الجهة , بالإضافة إلى وزارة الدفاع التي بقيت شاوية , أما باقي
الوزارات فيتم تقسيمها على حسب المناطق .
توازن آخر , ثقافي هذه المرة و محاولة استرضاء أبرز لوبيين ثقافيين في
الجزائر, اللوبي العروبي الاسلاموي المدعوم من مشيخات الخليج و اللوبي المفرنس اليساري التقدمي التوجه و الذي
يسيطر تقريبا على كل النقابات العمالية و الإعلام . التوازن الثقافي يجب أيضا أن
يأخذ بعين الاعتبار سياسة التعليم التي يجب أن تُرضي الطرفين , فلا يجب أن يكون
وزير التربية و التعليم عروبيا خالصا و لا مفرنسا خالصا و لكن يجب إيجاد شخصية لا
تتصادم ثقافيا مع الجانبين , وهذا ما يفسر "خُلود" وزير التربية و
التعليم الحالي في منصبه ...التوازنات !
لرجال المال و الأعمال أيضا قولهم و رجالهم في النظام , خاصة بعد العشرية
السوداء التي عرفت ظهور العديد من البارونات و الأثرياء الجدد استغلوا الظروف التي
مرت بها البلد في تلك الفترة لبناء إمبراطوريات مالية بين عشية و ضحاها ! ساعدهم في ذلك التداخل الذي
حدث بين المال و السلطة بصورة فاضحة و التسهيلات التي مُنحت لمثل هؤلاء و دخولهم في "شراكة" سرية مع العديد
من الأشخاص النافذين في النظام , فلا مفر من "حمايتهم" فالمصالح أصبحت
متداخلة , كلنا يذكر انتفاضة "السكر" التي حدثت في الجزائر و التي لم
تكن "شعبية" كما يظن البعض و لكن بإيعاز من أحد أباطرة المال في الجزائر
و التي استطاع بها أن يلغي قرارات اقتصادية مهمة , فعلى وزيري المالية و التجارة
القادمين مثلا أن يأخذا بعين الاعتبار "مطالب" مثل هؤلاء الأغنياء الجدد
و الا فستكون "انتفاضة شعبية جديدة" !
أخيرا , شخصيا أعتقد أنه مهما كانت "التوازنات" و مهما كانت
الضغوطات التي تخضع لها السلطة فذلك ليس مبررا للبقاء أربعة أشهر بشبه حكومة تسيير
أعمال , عاشت فيه البلاد و لازالت شللا تاما اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا , قالوا
أن هناك فترة امتحانات فترة نهاية السنة , ثم تحضيرات خمسينية الاستقلال ثم التسجيلات
الجامعية فرمضان ثم الدخول الاجتماعي
, كلها مبررات غير مقنعة فالبلد في حالة خمول ...
سننتظر إعلان الحكومة لنرى , هل سيُحدث الرئيس الذي لا نشك في صدقه مفاجأة
و نرى وجوها جديدة و شابة تسيّر الحكومة , أم أنه سيخضع للتوازنات مرة أخرى و تضيع
فرصة أخرى للسير نحو الأمام ؟
الشعب الجزائري و كأنه قد أعطى مُهلة للسلطة حتى ينتهي "الربيع
العربي" و يرى ما سيقترحه عليه النظام في حكومته الجديدة , السكوت ليس دائما
علامة الرضا و العلاقة الهادئة لحد الآن يمكنها أن تتغير في أي وقت , أغلب
الجزائريين التزموا السلم و الهدوء خوفا على بلدهم في زمن الفتن و على السلطة أن
تفهم الرسالة جيدا ...و هم في انتظار الجديد الذي حان وقته ...
أم أن السلطة ستتمخض و ستلد لنا
...فأرا !
لا أتمنى ذلك ....
ليس فارا بل جرذانا .................ربيع
RépondreSupprimer