بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق .
لن نتحدث عن ظروف
و وقائع و أرقام العملية الإرهابية التي
حدثت في قاعدة "ان أميناس" في صحراء الجزائر , فقد تكفلت بذلك مئات
القنوات التلفزيونية و الصحف و المواقع و بالتفصيل الممل مع ما شابها من تضارب في
الأخبار و تضليل في كثير من الأحيان و محاولة استغلال و تشفي في الجزائر كما عودنا
"إخوتنا" على ذلك منذ التسعينات
من القرن الماضي.
سنحاول أن ندرس
تبعات هذه العملية و نتائجها و تأثيرها على
الداخل الجزائري و على المنطقة و حتى على السياسة العالمية في محاربة الإرهاب ,
الجزائريون و بفضل جيشهم أصبحوا مدرسة و مثالا كونيا في الحرب على الإرهاب , الجيش
الوحيد على وجه الأرض الذي استطاع أن يكسر شوكة الإجرام الديني قبل أن يعرفه بقية
العالم و بإمكانياته الخاصة و بدون
الاستعانة بأي طرف خارجي , جيش لازال يثبت
أنه الاختصاصي رقم واحد في إبادة الإرهاب ...
ضربة
معلم
الكثير كان ينتظر(
و يحلم) ربما بسيناريو على الطريقة
الهوليودية , مفاوضات مع الخاطفين لأيام أو أسابيع عديدة تحت عدسات مئات الكاميرات
العالمية , و تسريح لرهائن من حين لآخر لإطالة ال « show » , ثم تتوالى النصائح و
عروض "المساعدة" من العواصم
الكبرى و لتدخل على الخط جمعيات حقوق الإنسان لتنادي بضرورة "حسن
معاملة" الخاطفين , و لتنتهي القصة بالخاطفين و هم يركبون طائرة هيليكوبتر
أحضرها لهم الجيش محملة بملايين الدولارات ...و لكن على مين ؟؟
الجيش الجزائري أثبت
(و هي ليست المرة الأولى) , في هذه العملية احترافية و شراسة و حسن تسيير و
استقلالية في القرار لا مثيل لها , لم ينتظر أي "فلسفة" غربية أو عربية
و قرر أن يتدخل في الوقت و في المكان المناسب , جعل كل المتتبعين و الاختصاصيين
يصابون بالدهشة و يعيدون حساباتهم , فاجأ المتتبعين و حتى ...الخاطفين . الأرقام
هي من تتحدث , و ما على المشككين إلا المقارنة بعمليات مماثلة في باقي الدول و
سيرى الفرق .
الجيش أراد بهذه
العملية أن يرسل رسالة للعديد من الأطراف , داخليا و خارجيا و يبدو أن الجميع قد
فهمها
!
الشعب و
الجيش واحد
تضامن كبيرو
انسجام ظهر من كل طوائف الشعب الجزائري مع الجيش , الأغلبية الساحقة سلطة
و معارضة و رجل الشارع العادي أعلنوها صراحة , لا مساس بأمن الوطن و بجيشه و
الجميع أبدى مساندته لما قام به الجيش الجزائري , و من متابعتنا لأشهر المواقع و
الصفحات الاجتماعية الجزائرية لاحظنا تلك الهبة الوطنية و حملات المساندة و
التشجيع التي كان يتلقاها الجيش الجزائري , حتى من كانت تُحسب على المعارضة
الراديكالية للنظام حولت خطابها و التحقت بالركب , ظاهرة نادرة الحدوث و يصعب
فهمها على من لم يعش عشرية الدماء و الدمار التي عرفها الجزائريون بسبب الإرهاب و
التي لم ينقذهم منها إلا تلك اللحمة التي حدثت بين الجيش و الشعب .
و هي رسالة أخرى ,
لمن كانوا يحاولون اللعب على هذا الوتر بخلق عداوة وهمية بين الجيش و الشعب , و قد
وصلتهم !
المجال
الجوي
أعجب و أغرب
المواقف , تلك التي صدرت عن طائفة كانوا أول من هلل و كبّر و أفتى للتدخل العسكري "الصليبي"
في ليبيا و لا زالوا ينادون و يفتون بذلك في سوريا , ثم تجدهم فجأة تحولوا إلى
وطنيين و متأسلمين و هم ينددون بفتح المجال الجوي الجزائري للطائرات الفرنسية
لتقصف الإرهابيين في مالي .
الكثير لا يعلم أن
قرار فتح المجال الجوي هو قرار من مجلس الأمن في الأمم المتحدة و بالإجماع , و
الجزائر معروفة بالتزامها الدائم بقرارات الأمم المتحدة و هي التي كانت و لازالت
من أبرز المتزعمين و المنادين لجبهة عالمية لمحاربة الإرهاب في العالم لا يمكنها أن تناقض
نفسها أمام العالم و تقف ضد قرار أممي يهدف إلى محاربة القاعدة في مالي.
تقولون
...مصالحة ؟؟؟
العملية الأخيرة
في "ان أميناس" لم تستهدف قاعدة بترولية فقط , بل استهدفت أمن الوطن و
مصدر رزقه , ستكون صفعة لكل دعاة نظرية " الذهاب أبعد من المصالحة " إلى
العفو العام و أبعد من ذلك , المصالحة في الجزائر بدأت تثبت محدوديتها و ضعفها في
القضاء على منابع و فكر الإرهاب في
المجتمع بل العكس , أدت إلى تساهل و تراخي كبير أمني و فكري , جعل من مجرمي
العشرية السوداء يطلون برؤوسهم من جديد عبر وسائل الإعلام الجزائرية و هم يلبسون
ثوب الضحية , ظهورهم هذا سيحدث فتنة و أسى عند مئات الآلاف من ضحايا الإرهاب في
الجزائر و قد يدخلنا في دوامة أخرى .
آن الأوان لإعادة
النظر في مفهوم المصالحة الوطنية , المصالحة ليس معناها أن ينفذ المجرم من جريمته
ثم يخرج علينا و هو يذرف دموع التماسيح .
أرجو أن تصل
الرسالة لمن يهمه الأمر ....
كارثة
اعلامية
حكام الجزائر لا
يريدون أن ينتبهوا إلى الدور الكبير جدا الذي تلعبه وسائل الإعلام بكل أنواعها في
مسيرة الدول , الإعلام في وقتنا الحاضر أصبح جزءا من الأمن القومي للدول , الإعلام
في زمننا صار عاملا حاسما في الحروب العسكرية .
أتعجب في جزائر
القرن الواحد و العشرين و في ظل أزمة خطيرة في قاعدة بترولية , أن يصبح المصدر
الوحيد للمعلومات بالنسبة للقنوات و الصحف العالمية ...موقع موريتاني مقرب من
القاعدة ؟؟؟ كارثة إعلامية حقيقة !!
كل الإمكانيات
المالية و التقنية و البشرية متوفرة لتصبح الجزائر قطبا إعلاميا مسيطرا في المنطقة
, فهل من مجيب ؟؟
بقلم :نايت الصغير عبد الرزاق
(كل الحقوق محفوظة)
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.