هل من
الديمقراطية أن تترك أعداء الحرية و الديمقراطية ينشطون و يستغلون
"منافع" الديمقراطية التي لا يؤمنون بها أصلا و يحضرون لاغتيالها ؟
هل
ترون أن مجتمعاتنا على استعداد للديمقراطية و هي التي منحت في حالات كثيرة رقابها
لديكتاتوريات ثيوقراطية رجعية بعد أن عانت لعشرات السنين ويلات الديكتاتوريات
الريعية "الوطنية" ؟
مجتمعاتنا
لا زالت تعتبر نفسها قاصرة و تحتاج لمن يردعها و يجلدها في كل مرة باسم الوطن أو
باسم الدين و أن تكون خاضعة دائما لأوصياء ؟ فكيف نفسر ارتماءها في حضن الرجعية
الثيوقراطية المخيفة , مباشرة بعد أن ذاقت "يومين" من الحرية و
الديمقراطية ؟ هل هي عقدة نقص نفسي في أفرادنا و مجتمعاتنا تعودت على نظرية القطيع
؟؟
أي
نوع من الديمقراطية تحتاجها شعوبها ؟
هل تلك التي تأتي عن طريق 'انقلابات' مفاجأة و عنيفة يقودها كهنة و "مناضلون" يحملون أعلاما سوداء و يتوعدون العقل و الفكر و ينصبون المشانق ؟؟ هل هذا أقصى ما نتمناه من "ثوراتنا" و توقنا للحرية ؟ هناك خلل ما في التفكير عندنا , شعوب تعبد جلاديها و اذا ثارت ضدهم فليس من أن أجل أن تتحرر منهم إنما فقط لتغيير نوعية ...الجلاد و السوط ! .
أم الديمقراطية هي تلك التي تأتي بصورة طبيعية و ممارسة أجيال و أجيال طويلة ؟ و متى سنقطف ثمار "الممارسة" و هي التي لا وجود لها و لم تبدأ بعد في ظل سيطرة الفكر المتخلف القروسطوي على المجتمع و انقضاضه على كل فكر متنور و اتهامه بالضلال و الكفر ؟؟ متى سنحصل على تلك التجربة و الممارسة و الدجالون يمنعون حتى التفكير في ذلك !
هل علينا
المرور أولا بنوع من "الديكتاتوريات" الوطنية , على طريقة أتاتورك ,
تقوم بفرض الحداثة على المجتمع و تحميه من الدجل لأجيال عديدة , حتى يستعد لقبول و
تقبل الأنظمة الديمقراطية ؟ و اين سنجد ذلك "الديكتاتور الشريف و
الوطني" مثل أتاتورك في ظل "ولاة أمور" يرى أغلبهم أنه أميرا
للمؤمنين ؟
هل صار قدرا
محتوما لشعوبنا أن تحكمها ثنائية العسكر أو الكهنوت و لا شيء غيرهما و لا أمل في
طريق ثالث مدني ديمقراطي مستنير ؟ , و لنفترض أننا واقعون في كماشة هذين الوحشين
الذين تعودا على اغتصاب عقول و خيرات مجتمعاتنا طوال التاريخ , فكيف يمكننا أن
نستغل هذا الوباء الاستبدادي الوراثي الساكن فينا لنصنع طريقا ثالث ؟
العديد من
التجارب الإنسانية أثبتت إمكانية ولادة مجتمعات ديمقراطية و متطورة نتيجة نضالات
طوائف مستنيرة تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية , التاريخ أثبت أن الكثير من
الديكتاتوريات العسكرية أنتجت ديمقراطيات و دولا متطورة اقتصاديا و اجتماعيا و
سياسيا رغم كل الآلام التي سببتها للشعوب التي حكمتها , و الأمثلة كثيرة , جميع
الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية السابقة خلفتها ديمقراطيات شعبية
مدنية و نفس الشيء حدث في اسبانيا عندما قام فرانكو في آخر حياته بتسليم الحكم
لسلطة ملكية دستورية ديمقراطية .
يمكننا أن
نستخلص شيئا من كل هذا و بكل حيادية و بالنظر للعديد التجارب الإنسانية, و هو أن الديكتاتوريات
العسكرية ورغم كل مساوئها و دمويتها في بعض الأحيان , يمكنها أن تُنتج ديمقراطيات
, في الوقت الذي نجد فيه أن كل محاولات صنع الديكتاتوريات الدينية الكهنوتية لم
تأت إلا بخراب الدول التي حاولت حكمها و لم تحقق أي نوع من التطور بل على العكس
فقد عادت بالدول إلى الوراء و بقرون و أفغانستان و الصومال خير مثال على ذلك !
و لكن لماذا ؟ ... المعروف عن الديكتاتوريات العسكرية ( نحن لا نتحدث هنا
عن جمهوريات الموز ) أنها و بالتزامن مع القمع السياسي الذي تمارسه إلا أنها لا
تُغفل تطوير جوانب كثيرة من الدول التي تحكمها من تعليم و علوم و فنون و تجهيزات
قاعدية و عمرانية و الكثير من التجارب تثبت ذلك , دول ديكتاتورية عسكرية حققت
خطوات عملاقة اقتصاديا و علميا , و التجربة الكورية الجنوبية خير مثال على ذلك ,
دولة تحولت اليوم إلى مثال عالمي للتطور و الديمقراطية , دولة استطاعت أن تستفيد
من تجربتها (الديكتاتورية العسكرية حتى بداية التسعينات ) في تطوير الدولة و لتدخل
بعدها تجربة ديمقراطية رائدة ... فذلك التطور الفكري و العلمي الذي صنعته تلك
الديكتاتوريات هو الذي كان سببا في سقوطها مهما طال الزمن , الديكتاتور يدّعي
دائما أنه تقدمي و مستنير و يعمل دائما على اثبات ذلك في الواقع أمام شعبه .
نحن هنا لا ندافع عن الديكتاتوريات العسكرية و لكن المعروف عن أغلب الجيوش
أنها ذات عقيدة وطنية و جمهورية علمانية و أن لديها خطوط حمراء تضعها لنفسها مهما
تمادت في استبدادها , على عكس مشاريع
الدولة الدينية في مجتمعاتنا التي لا تؤمن أصلا بمبدأ الوطن و تصنيفها للبشر مبني
على عقائد مذهبية و دينية متطرفة و دموية تنتهي دائما بأنهار من الدماء و خراب
للأوطان و هي في صدام دائم مع كل مظاهر الحضارة و الفكر الحديث.
سيقول البعض أننا ندافع عن الديكتاتوريات العسكرية و الانقلابات , و لكننا
و كما سبق لنا ذكره نرى أن هناك جوانب كثيرة يمكن الاستفادة منها في ظل
الديكتاتوريات العسكرية إذا كانت من النوع الذي سبق لنا الحديث عنه , و الهدف
الأسمى هو في استغلال "منافعها" للسير بالمجتمع نحو الديمقراطية الحقة ,
رغم أن تعقيدات المجتمعات العربية و المسلمة تختلف عن التجارب السابقة في أمريكا
اللاتينية و اسبانيا و كوريا الجنوبية الا أننا نرى أنها ممكنة الحدوث عندنا , على
شرط ظهور ذلك الديكتاتور "العادل" .
يحضرني الآن قول شهير للأديب والشاعر السوري الكبير, محمد الماغوط ..."يبدو أن تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين" !...
في منتصف القرن الماضي كانت أكثر تياراتنا اقتناعا بالديمقراطية تؤمن بها على الطريقة الشمولية السوفياتية, و بعد انهيارجداربرلين,أصبح الجميع يتغنى دون وعي لا "بالديمقراطية" بل "بالليبرالية" (حتى الماركسيون أمسوا ديمقراطيين
RépondreSupprimerيجب أن نؤكد انه في الواقع, كنظام سياسي الديمقراطية هي حكم "الأقوى" لا "الأغلبية", فعلى سبيل المثال الصراع بين الجمهوريين و الديمقراطيين في أمريكا ليس إلا واجه الصراع بين قوى و مراكز المال( الشركات النفطية, البنوك, شركات التكنولوجيات الجديدة.
أما كنظام اجتماعي, ففي الديمقراطيات الغربية لا تتساوى الأغلبية و الأقليات بل تندمج في بوتقة واحدة هي : أداة الإنتاج والاستهلاك , بل تصبح عند الضرورة وقود الحرب إذا هددت مصالح قوى المال و الأعمال الحاكمة.