بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق .
من منا لم
يصادف أو لم يعاني و لو مرة في حياته من ظاهرة "التكوليف" التي بدأت
تعرف انتشارا رهيبا في مجتمعنا , ظاهرة يتكفل بنقلها جيلا بعد جيل و
"جينيا" شخص معروف اجتماعيا بتسمية "الكلوفي" و هو في المصطلح العامي ذلك الكائن الغريب
الطباع و المضحك و المثير للسخرية في كثير من الأحيان و الخطير في أحيان أخرى و
الذي تجده يحشر أنفه في كل شيء , كائن لا
مهنة قارة له , ليس لأنه عاطل عن العمل بل لأنه يمكن أن يتحول لك و في جلسة واحدة
من محامي الى طبيب الى مهندس ثم سياسي ثم يختم "تكوليفه" دائما ببعض
المواعظ و الدروس لأن مودة "التكوليف" الجديدة هي أن تتحول الى داعية و
هي اقصى ما وصلوا اليه لحد الآن في تطورهم .
أغلب
"الكلوفية" تحكمهم نظرية "البيضة و الدجاجة" , ليس كما
تعرفونها أنتم أي هل الدجاجة التي سبقت أم البيضة , و لكن النظرية مع كائن
"الكلوفي" لديها معنى و بُعد آخر, و يدخل فيها طرف ثالث و هو الديك أو
"السردوك" بالعامية و التي تقول (الدجاجة تلد البيضة و السردوك ...يتوجّع ! ) , انها الحالة
المثالية للكائن "الكلوفي" ...
قبل أن نواصل
في تحليلنا لشخصية "الكلوفي" , أرى أنه من الأحسن ان أقص عليكم قصة أشهر
"كلوفي" يتداولها الناس هذه الايام , يُحكى أنه و في بلد معروف بعجائبه
كان يعيش قرصان و رجل ثري جدا يملك أموال قارون أو تزيد و قد كان يسميه الناس
الشهبندر , يُقال أنه اشترى الأرض و البحر و حتى السماء و كان يملك "جُزُرا"
لا عدّ لها , و قد كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام بين القرصان و الشهبندر تحت
مبدأ "عدم الاعتداء" , فقد كان الشهبندر يسمح للقرصان بالتحرك بكل حرية
بين جُزره لممارسة قرصنته و كان القرصان يقوم بتأمين أساطيل الشهبندر و تجارته ,
الى أن جاء اليوم الذي رأى فيه كاهن الشهبندر في كرته البلورية شيئا مريبا عن
القرصان , فقام بتحذير مولاه من القرصان و
قال أنه سيتحول الى خطر عليه مستقبلا , فقرر الشهبندر أن يستبق الأمور و يمنع على
القرصان من التجول و التزوّد و القرصنة بين جزره , وصل الخبر الى القرصان فاستشاط
غضبا و قرر أن يقرصن بالقوة "جزيرة" من جزر الشهنبدر , ليظهر شخص غريب
يسمونه "الكلوفي" في ذلك البلد , لا ناقة له و لا جمل و لا حتى موزة في
الصراع الدائر بين الكبار , القرصان و الشهبندر التُّجار , شعر
"الكلوفي" بألم السردوك (الذي تحدثنا عنه أعلاه) و لا أحد فهم سبب هذا
الألم , و قرر أن يثأر للشهبندر الذي لم يطلب منه ذلك , و يرُد للشهبندر الاعتبار
من الاهانة التي تعرض لها رغم أنه لم يطلب منه ذلك ايضا و لم يستشره , ثم قام
"الكلوفي" بكتابة مخطوط ضخم أعطاه لأحد أصدقائه ليعلقه في المدينة ,
يتوعد فيه القرصان بسوء العاقبة و يفضح و يتحدث عن جميل الشهبندر على القرصان ,
رغم أن الشهبندر لم يطلب منه ذلك أيضا , و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد , فقد كان
"الكلوفي" يقود حملة على القرصان و من على كل منابر المملكة , و كان
يصرخ في الجمع قائلا : ( أوووووو ,
آآآآآآآ , بابابابا , لن تمر هذه الحادثة عليك بسلام يا قرصان , لا يا قرصان , لا
يا قرصان" و لن نعيد عليكم مرة أخرى
بأن الشهبندر لم يطلب منه ذلك و انما كانت مجرد مبادرات فردية من "كلوفي"
سابقا و حاضرا و لاحقا.
في نفس الوقت
و في أحد قصور الشهبندر كان القرصان و الشهبندر يتحادثان عن ظاهرة التكوليف التي
يقودها هذا "الكلوفي" , و قال الشهبندر أنه لم يكلفه بالتكوليف باسمه و
أنه محتار لماذا شعر بألم "السردوك" , ففهما أن الكلوفي يريد ربما أن يصبح
واليا في جزيرة من جزر الشهبدر و قال القرصان أنه سبق له أن جربه سابقا حين استطاع
أن يقنعه يوما و عن طريق التكوليف بأن يمنحه قيادة احدى سفنه و لكنه اضطر لطرده .
و يقال أن
الأمور عادت الى مجاريها بين القرصان و الشهبندر بعد جلسة صلح و آخر الاخبار تقول
أن الكلوفي لازال يخطب و يتوعد القرصان و يكتب على الجدران أن القرصان
...قرصان !
انتهت القصة ,
و لكن التكوليف لن ينتهي , فكما حدثتكم سابق , هناك تنوع كبير في عالم الكلوفية ,
هناك الكلوفي الاجتماعي و هو الذي ان تركته يتمادى في تكوليفه سيتدخل لك حتى في
طريقة تنظيمك لغرفة نومك , هناك ايضا الكلوفية "الاداريون" و هؤلاء
تجدهم على أبواب كل اداراتنا من بلديات و ولايات و مصالح اجتماعية و سكنية و غيرها
يقترحون على الناس نصائحهم و معارفهم و تكوليفهم , هناك أيضا الكلوفي السياسي و هو
ذلك الشخص الذي يدافع و يحب الزعيم أكثر من حب الزعيم لنفسه.
منذ بضع سنوات
بدأت تظهر طائفة "الكلوفي" الديني و هؤلاء من وصلوا الى أعلى درجات
"التكوليف" , فهم لا "يتكولفون" على البشر فقط , بل على الله
سبحانه و تعالى , لا عمل لهم الا مراقبة ما يفعله غيرهم من حركات أو تصرفات يومية
عادية و روتينية ليقفزوا عليك من التكوليف و يقولوا لك أن ما تفعله ليس
"شرعيا" , تجدهم يهرولون وراءك من طلوع الشمس الى غروبها و من المنزل
الى العمل الى المرحاض الى الأكل الى الملعب الى السوق الى الجنائز و الافراح و
حتى في نومنا .
يجب التذكير
أيضا أن العلاقة بين "التكوليف" و "الشيتة" وطيدة فكلاهما
تؤدي الى الأخرى .
آخر خبر : وصلنا منذ
قليل خبر عاجل عن ظهور "كلوفي" جديد , و هو من نوعية "الكلوفي –
البوق" و كما تعرفون فان البوق من الآلات الموسيقية , المهم أن الخبر يقول أن
هذا الكلوفي يمشي في وسط الناس و يقول " يحيا الملك , يحيا الملك , يحيا
الملك , يحيا الملك" , ولا زال الناس يتساءلون لماذا يكررها لأربع مرات
متتالية , سنوافيكم بباقي التفاصيل في مقالاتنا القادمة.
نُشر على موقع (الجزائر 24)
(جميع الحقوق محفوظة)
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.