Social Icons

twitterfacebookgoogle pluslinkedinrss feedemail

vendredi 1 mars 2013

بين استقالة البابا و نظرية الماما



خبر استقالة بابا الكنيسة الكاثوليكية ليس كغيره من الأخبار, حادثة فريدة و نادرة الوقوع و لم يشهد العصر الحديث إلى حد اليوم أي حالة مشابهة , فآخر استقالة لبابا تعود الى ما لا يقل عن ست قرون كاملة كانت فيها أوروبا بأكملها تعيش فتنا و تخلفا اجتماعيا و ثقافيا و علميا و صراعات مذهبية , أسباب مختلفة تماما عن تلك التي دفعت اليوم بالبابا بينيدكتوس إلى الاستقالة , فالبابا الحالي حتى و ان حاول أن يغطي استقالته بأسباب صحية , إلا أن العام و الخاص يعرفون تمام المعرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت به إلى ترك منصب كرسي البابوية و هو في كامل قواه العقلية و غير مكره ( الاستقالة السابقة في القرن الخامس عشر انتهت بدق رأس البابا بمسمار !)   

لن نتحدث و نحلل أسباب الاستقالة فقد تكفل بذلك الاختصاصيون و جرائد و قنوات الفضائح و لكن الذي استوقفني في هذه الحالة هي تلك  الهوة السحيقة التي ما فتأت تزداد و تتسع بين مجتمعاتنا و المجتمعات الغربية و المتطورة و في كل المجالات و التي لم تعد علمية و فكرية فقط و لكنها أخلاقية بالأساس , بين مجتمعات متخلفة  تخصصت في  "إنتاج" دروس الأخلاق و الحديث عنها صباح مساء عبر الفضائيات و التجارة بها عبر أقراص مضغوطة و مطويات ملونة , و بين مجتمعات أخرى تحترم نفسها و تطبق تلك الأخلاق في معاملاتها اليومية من أبسط مواطن الى ...البابا !

كيف نفسر استقالة رأس أعلى هيئة دينية في العالم بسبب أخطاء فردية لم يرتكبها هو و لا حول و لا قوة له فيها  و إنما كانت بفعل أشخاص يتبعون المؤسسة الكنسية فقط , أليست هذه هي أعلى درجات احترام الذات و الغير ؟ ألا يجعلنا هذا نتساءل عن حالنا و ما وصلنا إليه من انحطاط أخلاقي في مجتمعاتنا اللاهوتية المستبدة  بين "رجال دين " و سياسيين  يتاجرون بدروس الأخلاق و هم أبعد من يمارسها ؟

نحن نعيش أزمة أخلاق حادة و مزمنة , ليس بالمفهوم الديني فحسب و لكن بمفهوم إنساني شامل , نحن نفقد إنسانيتنا شيئا فشيئا لنستبدلها بنسخة مزيفة بدوية استبدادية دموية منافقة  من ديننا الحنيف روجوا لها على أنها الإسلام و الإسلام منها براء , لن نعود إلى إنسانيتنا إلا بعد أن نتخلص من هذه النسخة الباهتة الظلامية , أول خطوة في الطريق الحضاري الصحيح هو العودة إلى إنسانية الإنسان المسلم .

شيء آخر يميز المجتمعات الغربية المتطورة , تلك الحركية الدائمة التي تعيشها و تصحيحها لأخطائها و تأقلمها مع الأحداث و العصر بصورة دائمة و محاربتها للجمود الفكري و نظرتها الدائمة الى المستقبل بالإضافة إلى تجديد مفهومها و نظرياتها بعد كل مرحلة مهمة من تاريخها , في الوقت الذي لازال البعض عندنا يدعو إلى "العودة" إلى "السلف" حتى في المأكل و الملبس و يحارب كل حركية اجتماعية و تجديد بدعوى أن كل شيء موجود و بالتفصيل الممل في كتب الأولين !

تلك الحركية هي من جعلت من مواطن زنجي يصل إلى رئاسة أعظم دولة عرفها التاريخ , فهل كان لعاقل أمريكي أن يتصور قبل خمسين سنة فقط أن أمريكا سيحكمها رجل أسود ؟ هذه الحركية و التحول الايجابي في المجتمعات المُحترَمة هي من جعلت أمريكيي القرن 21 يختلفون اختلافا فكريا جوهريا عن أمريكيي القرن 19 و بداية القرن 20 و كل ذلك كان نتيجة نضالات فكرية و سياسية مجددة و تقدمية استطاعت أن تقنع الأمريكيين و تجعلهم يسيرون نحو المستقبل...فأين نحن من كل هذا ؟

لا زلت أذكر حادثة رئيس الحكومة الكوري الذي استقال هو و حكومته بسبب سقوط جسر صغير في منطقة نائية , احتراما لشعبه على خطأ لا ناقة له فيه و لا جمل , و الأمثلة كثيرة جدا في كل البلاد المتحضرة , و أقارنها بما يحدث عندنا من حكام و زبانيتهم يرون في الأوطان غنيمة , و كهنة و "دعاة" يمارسون السرقة الفكرية على الملأ و الفواحش بين كل محاضرتين , هناك حتى من حكمت عليهم المحاكم بالجرم المشهود و لكنهم استطاعوا أن ينفذوا من جرائمهم و عادوا لممارسة "مهنتهم" في الدعوة إلى مكارم الأخلاق !

مفهومنا للأخلاق مختلف و متخلف عن المجتمعات المتحضرة , نحن لازلنا نراه مظهرا أو لباسا أو حفظا لبعض الآيات نستظهرها أمام الناس لنريهم مدى "سمو" أخلاقنا , في الوقت الذي يراه غيرنا في معاملات يومية و احترام للنفس و للغير فقط .

نحن نعيش يوميا "أخلاق" حكامنا  و رجال ديننا , يدفعوننا إلى الجمود و يمنعون و يحرمون أي حركية أو تجديد ,  أصابونا بالتخمة بدروسهم عن الأخلاق و لا أحد فيهم تجرأ و احترم نفسه و غيره و فعل ما فعله البابا عوض ممارسة سياسة " الماما" على الشعوب و فرض وصايتهم و "أخلاقهم" على مجتمعات يرون فيها قاصرة  و لا يمكنها العيش إلا تحت رعايتهم ...

 بقلم :نايت الصغير عبد الرزاق

(جميع الحقوق محفوظة)

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.

 

من نحن ...Qui sommes-nous?

هذا فضاء للتفكير الحر , بعيدا عن كل تعصب ايديولوجي , حزبي أو مذهبي. لسنا الا مجرد ملاحظين محايدين لحركية المجتمعات الجزائرية , المغاربية , و العربية...لا نتبع أي أحد

Un espace dédié à la libre pensée , loin de toute idéologie ou d’idées partisanes , nous ne sommes que des observateurs neutres de tous les mouvements de la société Algérienne , Maghrébine et arabe .

جميع الحقوق محفوظة