بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق .
ما سر هذا
التحول المفاجيء في علاقات حكومة الاخوان في مصر مع ايران , لما كل هذه الزيارات
السرية و العلانية بين البلدين و ما هي حقيقة و أهداف هذا "العشق
الممنوع" بين سياسيي البلدين في الفترة الأخيرة و جميعنا يتذكر تلك الحملة
التكفيرية الشنعاء التي كان يقودها زعماء و مشايخ و ميليشيات الاخوان الالكترونية
على الأنترنت ضد الدولة الاسلامية الايرانية و التي وصلت حد اخراج الشعب الايراني من
أمة محمد و اعتبارهم "كفارا" و تصنيف الجمهورية الايرانية على أنها اخطر
من ...اسرائيل !
و لكن لنعد
قليلا الى الوراء , الى الشهر التاسع من سنة 2013 و مناسبة افتتاح قمة عدم
الانحياز التي انعقدت في طهران و التي حضرها الرئيس الاخواني المصري و الذي كان
بمثابة "نجم الحفل" بالنسبة لكل التيارات السياسية المتأسلمة في العالم
, كيف لا و هو الذي استطاع أن يحقق ذلك "الفتح المبين " و "النصر
العظيم" و استطاع أن يقهر "الشيعة و الروافض" في عقر دارهم و يترضى
على السيدة عائشة ! ... "انجاز
عظيم" في رأيهم , لم يدخروا جهدا للاشهار له و نشر ذلك المقطع على صفحاتهم و
قنواتهم و منابرهم و هم يهللون و يكبرون لأسد السنة الجديد الذي سيعيد للاسلام
هيبته !!
هذا ما كان
عليه الحال منذ بضعة أشهر فقط , ولن نتوسع كثيرا في تحليل مدى سطحية نظرة
الاسلامويين للأمور السياسية الذين لم يكن يهمهم من قمة سياسية عالمية كبرى لا
علاقة لها نهائيا بأمور الدين الا تلك الجملة الشهيرة !! , قمة انعقدت
فيها عشرات الملتقيات و المؤتمرات و التحليلات السياسية و الاقتصادية و اللقاءات
بين زعماء دول أغلبها مناهض للهيمنة الامبريالية الغربية , دول كانت تتناقش فيما
بينها لمجابهة تحديات كبرى مستقبلية و جماعات متأسلمة عندنا كانت تناقش كعادتها أمورا
هامشية !
ما الذي يهم مندوب
الصين أو الهند أو صربيا أو موزمبيق من أن تترضى أو لا تترضى على سيدتنا عائشة في
قمة طهران لعدم الانحياز ؟؟ سؤال لازلت أطرحه على نفسي الى يومنا , رغم أننا بدأنا
نتعود على سطحية و ضيق تفكير اتباع الحركات الاسلاموية و "تحليلاتهم"
الخارجة دائما عن التغطية !
و لكن فجأة
سكتت تلك الأفواه المكفرة للايرانيين في صفوف الاخوان و بدأت تخلو صفحاتهم و
جرائدهم و منابرهم من تلك الحملة التشويهية الشنعاء التي أطلقوها ضد كل ما هو
ايراني و شيعي و أعطيت الأوامر لأتباعهم الذين لا يعصون أمرا لزعمائهم بتغيير
اللهجة ...و حدثت المعجزة , الايرانيون لم يعودوا الآن كفارا كما كانوا منذ بضعة
أشهر !
الأكيد أن
أمورا سرية و صفقات قد حدثت في الغرف المظلمة , فالاخوان معروفون بتفوقهم في عقد
كل أنواع الصفقات التي تكون أولا و أخيرا في صالح "الجماعة" , و
الايرانيون و بدهائهم التاريخي يبدو أنهم قد عرفوا من اين تؤكل الكتف "الاخوانية"
و هم مستعدون لدفع الغالي و النفيس لأجل أهدافهم و وضع اي مبلغ على طاولة الاخوان
, المهم بالنسبة للايرانيين هو أن يضعوا موطأ قدم لهم في مصر و المؤشرات تقول أنهم
قد نجحوا في ذلك و بامتياز , فالايرانيون يدفعون و بسخاء و هذا ما يحبه زعماء
الاخوان !
يجب أن نذكّر
أننا هنا لسنا ضد العلاقة مع الجمهورية الايرانية , دولة نعتبرها مثالا للنضال و
الجهد و الانجازات العلمية و العسكرية و نرى أنها مثال يجب أن تحتذيه كل الدول
الاسلامية و نحن ندعو دائما الى جبهة اسلامية مقاومة للهيمنة الغربية تكون ايران
رأس حربتها , و من حق ايران ككل الدول التي تحترم نفسها أن تبحث عن توسيع نفوذها
السياسي و الاقتصادي و الثقافي .
المشكل هنا يكمن في عقلية جماعة الاخوان التي لازالت تسير بتفكير الجماعة السرية و الفرقة الناجية حتى و هي تقود دولة و هنا يكمن الخطر , فايران في هذه الحالة ستتعامل مع جماعة و ليس مع دولة كبرى اسمها مصر و سيستغل الايرانيون (و هذا من حقهم) الفرصة كما هي عادتهم , فما يهم الاخواني هي الفائدة التي ستجنيها جماعته من علاقاتها مع ايران و فقط , و الاخواني "العادي" لا يعترف أصلا بفكرة الوطن و يعتبرها كفرا , وطنه الوحيد هو "الجماعة" , أشهر عبارة للمرشد السابق للاخوان حينما طلب منه أحدهم الحديث عن مصر فأجابه بقول "طز في مصر " !
الخطر الآخر
كما تحدثنا سابقا يتمثل في انعدام أي ثقافة أو تكوين أو فكر سياسي لدى جماعة
الاخوان ما يجعلهم مجرد هواة و أقزام أمام دهاة السياسة الايرانيين , المعروف عن
جماعة الاخوان أنه يستحيل أن تجد أي مفكر أو أديب أو فنان في أوساطها و لا وجود
لانتاج أو اهتمام بهذا المجال , فهم منغلقون على أدبياتهم و "مفكريهم" و
يفرضون على أتباعهم حتى عناوين الكتب و الصحف و القنوات المسموحة ! و هذا باعتراف
أحد أبرز قيادييهم المنشقين , ما يجعلهم يعيشون في عالم خاص بهم بعيدين كل البعد
عن الواقع و عن حركية المجتمعات حولهم ثقافيا و سياسيا , فكيف لهؤلاء أن يواجهوا أو
يفاوضوا أو يناوروا الايرانيين !
الايرانيون
بالاضافة الى أهدافهم الاقتصادية و السياسية لديهم أهداف أخرى لا تخفى على أحد و
ابرزها نشر مذهبهم و السيطرة على كل أضرحة و مقامات آل البيت في العالم الاسلامي و
المعروف أن مصر تحتوي على الكثير منها , الايرانيون أيضا مهتمون بالأزهر الشريف
الذي كان ذات يوم يدرس المذهب الفاطمي الشيعي , بالاضافة الى العديد من المساجد و
الآثار الفاطمية في مصر , و لن يجدوا أحسن من الاخوان لمساعدتهم على ذلك , المهم
أن يدفعوا !
بالاضافة الى
زيارة الرئيس نجاد التاريخية للأزهر , تم منذ أيام فتح خط جوي مباشر بين طهران و
القاهرة بداعي تشجيع السياحة الايرانية في مصر , رغم أن الجميع يعرف أن المجتمع
الايراني محافظ و دخل الفرد فيه متواضع , فالسائح الايراني الذي يأتي الى مصر لن
يذهب الى شرم الشيخ أو الغردقة بل سيتجه مباشرة الى مقام سيدنا الحسين و غيره من
مقامات آل البيت في مصر ...
شيء آخر يجب الانتباه اليه , هو الاعجاب الذي يبديه الاخوان لطريقة تنظيم الدولة الايرانية و تشابه بعض الهياكل و التسميات بينهما و العلاقات التي يبدو أنها كانت أقدم مما نظن , كنظرية المرشد الأعلى و ولاية الفقيه و الميليشيات الثورية أو "الباسيج" , نفس التنظيم تقريبا نجده عند جماعة الاخوان .
اذا بقيت
الأمور على هذا النسق و لبضع سنوات فقط , ايران ستسير بهدوء و ثبات للسيطرة على مصر
و البركة في الاخوان !
!
(جميع الحقوق محفوظة)
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.