بقلم : نايت الصغير عبد الرزاق .
و أنا أشاهد
فضيحة نهائي كأس الجمهورية و رفض لاعبي المولودية الصعود الى المنصة لاستلام
ميدالياتهم في سابقة عالمية لم يشهد لها التاريخ مثيلا , و هم يتحدّون و يتطاولون
على كل الأعراف الأولمبية و الأخلاقية و على رموز الدولة الجزائرية و ممثليها (
بغض النظر عن رأينا في النظام القائم) بدون أي حياء أو احترام , و أنا أشاهد هذا
المنظر المقرف و المثير للشفقة , ازدادت قناعتي بمدى الانحطاط الاجتماعي و
السياسي و الثقافي و التربوي و الأخلاقي الذي وصلت اليه مجتمعاتنا و في كل
المجالات .
مشهد النهائي
يختصر وبصورة واضحة مشهدا أكبر و أوسع , معاملات و تعاملات و تصرفات أصبحت "ثقافة" في مجتمعاتنا , "ثقافة"
اللاثقافة و الانتهازية و الوصولية و التسلق و اللاعقاب , ثقافة جعلت من رجل أميّ
متسلق و وصولي مثل "عمر غريب" يصل الى رئاسة أكبر و أعرق فريق جماهيري
في الجزائر و تصل به الجرأة أن يتحدى الأعراف و التقاليد و الشعب و الدولة ...
الصعود عن
طريق ...الهبوط
"عمر
غريب" ليس الا حالة "بيداغوجية" و نموذجية تختصر ملايين الحالات من
أمثاله في مجتمعاتنا , أو كيف تصعد السلم الاجتماعي كلما ازددت هبوطا ...أخلاقيا !
نظرية "الصعود
عن طريق الهبوط الأخلاقي" هي من أوصلت أمثال هذا النكرة "عمر غريب"
الذي لم يكمل دراسته الابتدائية و الذي بدأ حياته "المهنية" كبائع
مخدرات ثم سائق تاكسي "مخفي" ثم حارسا و حاملا للعتاد و
"مخبرا" لمسؤوليه ينقل لهم كل ما يحدث و ما لم يحدث عن اللاعبين و
الطاقم الفني ثم كوسيط بين "المسؤولين" و اللاعبين يتكفل بنقل
"النسبة المائوية" من عقود اللاعبين الخيالية لرؤسائه, ليصل الى قيادة
أحد أعرق الفرق في شمال افريقيا و يتلاعب بالملايير و يبيع و يشتري...
ولد خالة مول
الباش...و الكلوفي
طريقة أخرى
لصعود السلم الاجتماعي في بلداننا هي أن تكون من الأقرباء أو من المقربين لمن سبقوك
في الصعود , و لا يهم ما تحمله في جعبتك
من علم أو كفاءة , الأهم هو أن تكون من العائلة أو الجهة التي ينتمي اليها ذلك
الذي رمى لك بالسُلّم لتصعد , فتنتشر شبكات الرداءة العائلية المتوارثة من أسفل
الدرج الى أعلاه لتنشر "ثقافتها" و رداءتها , فهي لا ترضى بغير الرداءة
بديلا أو شريكا و ظهور أي من أشكال الكفاءة قد يقضي على "سلالتها" لذلك
تجدها دائمة الحرص على الحفاظ على صفاء "العرق" !
بالاضافة الى
"ولد خالة مول الباش" , هناك طائفة متسلقة أخرى , شخصية الرجل
"الكلوفي" الذي يتدخل فيما لا يعنيه و يحب البروز و اعطاء صورة
"مشرقة" عن رداءته , هذا النوع من الشخصيات استطاع أن يحقق
"اختراقات" في السلم الاجتماعي بفضل استغلالها لسذاجة فئات واسعة من
المجتمع .
الشيّات و الشيخ
الحجّام ...
أفضل طريقة
للصعود في مجتمعاتنا هي "الشيتة" , الشياتين هي الطائفة الأكثر انتشارا
في مجتمعات الرداءة , تجدهم في كل مكان و في كل مجالات الحياة , من حارس المدرسة
الى "مستشار" رئيس الجمهورية و وظيفتهم الأولى و الأخيرة هي عبادة
المسؤول و التسبيح بحمده صبحة و عشية و نقل الأخبار عن كل ما حدث و ما لم يحدث ,
هي طريقتهم في "الهبوط " للحصول على اذن "الصعود" و قد نجح
الكثير منهم في ذلك ...
البعض الآخر
ممن حرمهم الله من أي موهبة فكرية أو جسدية أو يدوية و خريجي " يوجه الى
الحياة العملية" وجدوا ضالتهم في الصعود الاجتماعي عن طريق الدين و هم
يستغلون ذلك الهوس الذي أصاب المجتمع بالدين و مظاهره الخارجية , الكثير من بائعي
"الخلطات المكية" و ممارسي الحجامة "على رؤوس اليتامى" تحولوا
بقدرة قادر الى "شيوخ" يناديهم البعض ب "مولانا" , و حتى ان
لم يحالفك الحظ في فنون الحجامة و الخلطات , فيكفي أن تطلق لحيتك و تلبس قميصا و
تكحّل عينيك و تُفرغ قارورة مسك على نفسك...
"لتصعد" و تصبح لك مكانة في المجتمع لم تكن تحلم بها حتى في أشد أحلامك
المتفائلة ! و الكثير من
"الشيوخ" الصاعدين أصبحوا اليوم "علماء" يستفتيهم الناس في
أمور دينهم و دنياهم في مجتمعاتنا المريضة , "علماء" لم يكونوا ليصلوا
حتى الى درجة بوّاب في مجتمعات تحترم نفسها !
الرداءة
ستقتلنا ...
المفاهيم في مجتمعاتنا صارت مقلوبة و
خطيرة , نظرتنا للجهد و الأخلاق الانسانية صارت مرضية , انتشرت ثقافة التسلق و
الانتهازية و النفاق , أصبح الجميع يتعامل مع محيطه و مجتمعه و دولته بعقلية
الغنيمة , المشكل ليس سلطويا فقط كما يريد البعض تصويره لأغراض سياسية , المشكل
أعمق و قد أصبح ثقافة و دينا يُعبد , مايحدث في أوساط "الصاعدين" ليس
الا صورة لما هي عليه "القواعد" , انتشار الرداءة في جميع المجالات و لم
يسلم حتى الدين الذي صار أيضا وسيلة شعبية لممارسة التسلق , مجتمعاتنا مصابة
بأمراض مزمنة و متعفنة و هي تعيش مراحلها الأخيرة , اللهم الا اذا حدثت معجزة
الهية تقلب المفاهيم المغلوطة و الكاذبة التي نعيشها ....
(جميع الحقوق محفوظة)
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.